للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الظَّاهِرِ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ، إِذِ التَّقْدِيرُ: لَيْسَ أَهْلُ الْكِتَابِ مُسْتَوِيًا مِنْهُمْ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ كَذَا، وَأُمَّةٌ كَافِرَةٌ. وَذَهَبَ أَبُو عُبَيْدَةَ: إِلَى أَنَّ الْوَاوَ فِي لَيْسُوا عَلَامَةُ جَمْعٍ لَا ضَمِيرٌ مِثْلُهَا، فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:

يَلُومُونَنِي فِي شِرَاءِ النَّخِي ... لِ قَوْمِي وَكُلُّهُمُ أَلْوَمُ

وَاسْمُ لَيْسَ: أُمَّةٌ قَائِمَةٌ، أَيْ لَيْسَ سَوَاءٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ مَوْصُوفَةٌ بما ذكروا أمة كَافِرَةً.

قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَمَا قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ خَطَأٌ مَرْدُودٌ انْتَهَى. وَلَمْ يُبَيِّنْ جِهَةَ الْخَطَأِ، وَكَأَنَّهُ تَوَهَّمَ أَنَّ اسْمَ لَيْسَ هُوَ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ فَقَطْ، وَأَنَّهُ لَا مَحْذُوفَ. ثُمَّ إِذْ لَيْسَ الْغَرَضُ تَفَاوُتُ الْأُمَّةِ الْقَائِمَةِ التَّالِيَةِ، فَإِذَا قُدِّرَ ثَمَّ مَحْذُوفٌ لَمْ يَكُنْ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ خَطَأً مَرْدُودًا. قِيلَ: وَمَا قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ هُوَ عَلَى لُغَةِ أَكَلُونِي الْبَرَاغِيثُ، وَهِيَ لُغَةٌ رَدِيئَةٌ وَالْعَرَبُ عَلَى خِلَافِهَا، فَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا مَعَ مَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ الظَّاهِرِ انْتَهَى. وَقَدْ نَازَعَ السُّهَيْلِيُّ النَّحْوِيِّينَ فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّهَا لُغَةٌ ضَعِيفَةٌ، وَكَثِيرًا مَا جَاءَتْ فِي الْحَدِيثِ. وَالْإِعْرَابُ الْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ. وَهُوَ: أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ مُسْتَأْنَفَ بَيَانٍ لِانْتِفَاءِ التَّسْوِيَةِ كَمَا جَاءَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ «١» بَيَانًا لِقَوْلِهِ: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ «٢» وَالْمُرَادُ بِأَهْلِ الْكِتَابِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى.

وَأُمَّةٌ قَائِمَةٌ أَيْ مُسْتَقِيمَةٌ مِنْ أَقَمْتُ الْعُودَ فَقَامَ، أَيِ اسْتَقَامَ. قَالَ مُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ وَابْنُ جُرَيْجٍ: عَادِلَةٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَالرَّبِيعُ: قَائِمَةٌ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَحُدُودِهِ مُهْتَدِيَةٌ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: قَانِتَةٌ مُطِيعَةٌ، وَكُلُّهَا رَاجِعٌ لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ.

وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَالسُّدِّيُّ: الضَّمِيرُ فِي لَيْسُوا عَائِدٌ عَلَى الْيَهُودِ. وَأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْيَهُودِ وَذِكْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي قَوْلِهِ: «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ» . وَالْكِتَابُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ جِنْسُ كُتُبِ اللَّهِ، وَلَيْسَ بِالْمَعْهُودِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ فَقَطْ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ أَهْلُ الْقُرْآنِ. وَالظَّاهِرُ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ الْمَذْكُورِينَ فِي قَوْلِهِ: وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ «٣» لِتَوَالِي الضَّمَائِرِ عَائِدَةٌ عَلَيْهِمْ فَكَذَلِكَ ضَمِيرُ لَيْسُوا. وَقَالَ عَطَاءٌ: مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ الْآيَةَ يُرِيدُ أَرْبَعِينَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ مِنَ الْعَرَبِ، وَاثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ مِنَ الحبشة، وثمانية من الروم، كَانُوا عَلَى دِينِ عِيسَى وَصَدَّقُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَ نَاسٌ من


(١) سورة آل عمران: ٣/ ١١٠.
(٢) سورة آل عمران: ٣/ ١١٠.
(٣) سورة آل عمران: ٣/ ١١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>