للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَنْصَارِ مُوَحِّدِينَ وَيَغْتَسِلُونَ مِنَ الْجَنَابَةِ، وَيَقُومُونَ بِمَا عَرَفُوا مِنْ شَرَائِعِ الْحَنِيفِيَّةِ قَبْلَ قُدُومِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى جَاءَهُمْ مِنْهُ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ وَالْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَقَيْسُ بْنُ صِرْمَةَ بْنِ أَنَسٍ.

يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ وَصَفَ الْأُمَّةَ الْقَائِمَةَ بِأَنَّهَا تَالِيَةُ آيَاتِ اللَّهِ، وَعَبَّرَ بِالتِّلَاوَةِ فِي سَاعَاتِ اللَّيْلِ عَنِ التَّهَجُّدِ بِالْقُرْآنِ. وَقَوْلُهُ: وَهُمْ يَسْجُدُونَ جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ أَيْضًا مَعْطُوفَةٌ عَلَى يَتْلُونَ، وَصَفَهُمْ بِالتِّلَاوَةِ لِلْقُرْآنِ وَبِالسُّجُودِ. فَتِلَاوَةُ الْقُرْآنِ فِي الْقِيَامِ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَلَمْ تُشْرَعْ فِيهِ التِّلَاوَةُ. وَجَاءَتِ الصِّفَةُ الثَّانِيَةُ اسْمِيَّةٌ لِتَدُلَّ عَلَى التَّوْكِيدِ بِتَكَرُّرِ الضَّمِيرِ وَهُوَ هُمْ، وَالْوَاوُ فِي يَسْجُدُونَ إِذْ أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ. وَأَخْبَرَ عَنِ الْمُبْتَدَأِ بِالْمُضَارِعِ، وَجَاءَتِ الصِّفَةُ الْأَوْلَى بِالْمُضَارِعِ أَيْضًا لِتَدُلَّ عَلَى التَّجَدُّدِ، وَعُطِفَتِ الثَّانِيَةُ عَلَى الْأَوْلَى بِالْوَاوِ لِتُشْعِرَ بِأَنَّ تِلْكَ التِّلَاوَةَ كَانَتْ فِي صَلَاةٍ، فَلَمْ تَكُنِ التِّلَاوَةُ وَحْدَهَا وَلَا السُّجُودُ وَحْدَهُ.

وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: آنَاءَ اللَّيْلِ أَنَّهَا جَمِيعُ سَاعَاتِ اللَّيْلِ. فَيَبْعُدُ صُدُورُ ذَلِكَ- أَعْنِي التِّلَاوَةَ وَالسُّجُودَ- مِنْ كُلِّ شَخْصٍ شَخَصَ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ جَمَاعَةٍ إِذْ بَعْضُ النَّاسِ يَقُومُ أَوَّلَ اللَّيْلِ، وَبَعْضُهُمْ آخِرَهُ، وَبَعْضُهُمْ بَعْدَ هَجْعَةٍ ثُمَّ يَعُودُ إِلَى نَوْمِهِ، فَيَأْتِي مِنْ مَجْمُوعِ ذَلِكَ فِي الْمُدُنِ وَالْجَمَاعَاتِ اسْتِيعَابُ سَاعَاتِ اللَّيْلِ بِالْقِيَامِ فِي تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَالسُّجُودِ، وَعَلَى هَذَا كَانَ صَدْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ. وَعَرَفُ النَّاسُ الْقِيَامَ فِي أَوَّلِ الثُّلُثِ الْأَخِيرِ مِنَ اللَّيْلِ، أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ، وَالْقَائِمُ طُولَ اللَّيْلِ قَلِيلٌ، وَقَدْ كَانَ فِي الصَّالِحِينَ مَنْ يَلْتَزِمُهُ، وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ الْقَصْدَ فِي ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْمُزَّمِّلِ «١» . وَآنَاءُ اللَّيْلِ: سَاعَاتُهُ قَالَهُ الرَّبِيعُ وَقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمَا. وَقَالَ السُّدِّيُّ: جَوْفُهُ وَهُوَ مِنْ إِطْلَاقِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ، إِذِ الْجَوْفُ فَرْدٌ مِنَ الْجَمْعِ. وَعَنْ مَنْصُورٍ: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْمُصَلِّينِ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ: يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ. وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهَا صَلَاةُ الْعَتْمَةِ.

وَذَكَرَ أَنَّ سَبَبَ نُزُولِهَا هُوَ احْتِبَاكُ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْعَتَمَةِ وَكَانَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ فَلَمْ يَأْتِ حَتَّى مَضَى الليل، فجاءوا منّ الْمُصَلِّي وَمِنَّا الْمُضْطَجِعُ فَقَالَ:

«أَبْشِرُوا فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يُصَلِّي هَذِهِ الصَّلَاةَ»

وَلِهَذَا السَّبَبِ ذَكَرَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّ قَوْلَهُ: لَيْسُوا سَوَاءً عَائِدٌ عَلَى الْيَهُودِ وَهَذِهِ الْأُمَّةِ، وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ. وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ: وَهُمْ يَسْجُدُونَ أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ السُّجُودُ فِي الصَّلَاةِ. وَقِيلَ: عَبَّرَ بِالسُّجُودِ عَنِ الصَّلَاةِ تَسْمِيَةً للشيء


(١) سورة المزمل: ٧٣/ ١- ٢. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>