للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلِذَلِكَ يُقَالُ: فِي دَوْلَةِ فُلَانٍ، لِأَنَّهَا مَرَّةً فِي الدَّهْرِ. وَالدُّورُ وَالدَّوْلُ مُتَقَارِبَانِ، لَكِنَّ الدَّوْرَ أَعَمُّ. فَإِنَّ الدَّوْلَةَ لَا تُقَالُ إِلَّا فِي الْحَظِّ الدُّنْيَوِيِّ.

الْمَحْصُ كَالْفَحْصِ، لَكِنَّ الْفَحْصَ يُقَالُ فِي إِبْرَازِ الشَّيْءِ عَنْ خِلَالِ أَشْيَاءَ مُنْفَصِلَةٍ عَنْهُ. وَالْمَحْصُ عَنْ إِبْرَازِهِ عَنْ أَشْيَاءَ مُتَّصِلَةٍ بِهِ. قَالَ الْخَلِيلُ: التَّمْحِيصُ التَّخْلِيصُ عَنِ الْعُيُوبِ، وَيُقَالُ: مَحَّصَ الْحَبْلَ إِذَا زَالَ عَنْهُ بِكَثْرَةِ مره على اليد زبيره وَأَمْلَسَ، هَكَذَا سَاقَ الزَّجَّاجُ اللَّفْظَةَ الْحَبْلَ. وَرَوَاهَا النَّقَّاشُ: مَحَّصَ الْجَمَلَ إِذَا زَالَ عَنْهُ وَبَرَهُ وَأَمْلَسَ. وَقَالَ حَنِيفُ الْحَنَاتِمِ: وَقَدْ وَرَدَ مَاءً اسْمُهُ طُوَيْلِعٌ، إِنَّكَ لَمَحْصُ الرِّشَاءِ، بَعِيدُ الْمُسْتَقَى، مُطِلٌّ عَلَى الْأَعْدَاءِ. الْمَعْنَى: أَنَّهُ لِبُعْدِهِ يَمْلَسُ حَبْلُهُ بِمَرِّ الْأَيْدِي.

وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَنَافِعٌ: سَارِعُوا بِغَيْرِ وَاوٍ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، وَالْبَاقُونَ بِالْوَاوِ عَلَى الْعَطْفِ. لَمَّا أُمِرُوا بِتَقْوَى النَّارِ أُمِرُوا بِالْمُبَادَرَةِ إِلَى أَسْبَابِ الْمَغْفِرَةِ وَالْجَنَّةِ. وَأَمَالَ الدُّورِيُّ فِي قِرَاءَةِ الْكِسَائِيِّ: وَسَارِعُوا لِكَسْرَةِ الرَّاءِ. وَقَرَأَ أُبَيٌّ وَعَبْدُ اللَّهِ: وَسَابِقُوا وَالْمُسَارَعَةُ: مُفَاعَلَةٌ. إِذِ النَّاسُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَيَصِلُ قَبْلَ غَيْرِهِ فَبَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ مُفَاعَلَةٌ. أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ:

سْتَبِقُوا الْخَيْراتِ

«١» وَالْمُسَارَعَةُ إِلَى سَبَبِ الْمَغْفِرَةِ وَهُوَ الْإِخْلَاصُ، قَالَهُ عُثْمَانُ.

أَوْ أَدَاءُ الْفَرَائِضِ قَالَهُ عَلِيٌّ.

أَوِ الْإِسْلَامُ قَالَهُ: ابْنُ عباس. أو التَّكْبِيرَةُ الْأُولَى مِنَ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ قَالَهُ: أَنَسٌ وَمَكْحُولٌ. أَوِ الطَّاعَةُ قَالَهُ: سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. أَوِ التَّوْبَةُ قَالَهُ: عِكْرِمَةُ. أَوِ الْهِجْرَةُ قَالَهُ: أَبُو الْعَالِيَةِ. أَوِ الْجِهَادُ قَالَهُ: الضَّحَّاكُ. أَوِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ قَالَهُ: يَمَانٌ. أَوِ الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ قَالَهُ: مُقَاتِلٌ. وَيَنْبَغِي أَنْ تُحْمَلَ هَذِهِ الْأَقْوَالُ عَلَى التَّمْثِيلِ لَا عَلَى التَّعْيِينِ وَالْحَصْرِ.

قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَمَعْنَى الْمُسَارَعَةِ إِلَى الْمَغْفِرَةِ وَالْجَنَّةِ الْإِقْبَالُ عَلَى مَا يَسْتَحِقَّانِ بِهِ انْتَهَى. وَفِي ذِكْرِ الِاسْتِحْقَاقِ دَسِيسَةُ الِاعْتِزَالِ، وَتَقَدَّمِ ذِكْرُ الْمَغْفِرَةِ عَلَى الْجَنَّةِ لِأَنَّهَا السَّبَبُ الْمُوصِلُ إِلَى الْجَنَّةِ، وَحُذِفَ الْمُضَافُ مِنَ السموات أي: عرض السموات بَعْدَ حَذْفِ أَدَاةِ التَّشْبِيهِ أَيْ: كَعَرْضِ. وَبَعْدَ هَذَا التَّقْدِيرِ اخْتَلَفُوا، هَلْ هُوَ تَشْبِيهٌ حَقِيقِيٌّ؟ أَوْ ذَهَبَ بِهِ مَذْهَبَ السِّعَةِ الْعَظِيمَةِ؟ لَمَّا كَانَتِ الْجَنَّةُ مِنَ الِاتِّسَاعِ وَالِانْفِسَاحِ فِي الْغَايَةِ القصوى، إذ السموات وَالْأَرْضُ أَوْسَعُ مَا عَلِمَهُ النَّاسُ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ وَأَبْسَطِهِ، وَخَصَّ الْعَرْضَ لِأَنَّهُ فِي الْعَادَةِ أَدْنَى مِنَ الطُّولِ لِلْمُبَالَغَةِ، فَعَلَى هَذَا لَا يُرَادُ عَرْضٌ وَلَا طُولٌ حَقِيقَةً قَالَهُ: الزَّجَّاجُ. وَتَقُولُ الْعَرَبُ:

بِلَادٌ عَرِيضَةٌ، أَيْ واسعة. وقال الشاعر:


(١) سورة البقرة: ٢/ ١٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>