كَأَنَّ بِلَادَ اللَّهِ وَهْيَ عَرِيضَةٌ ... عَلَى الْخَائِفِ الْمَطْلُوبِ كِفَّةُ حَابِلِ
وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ:
وَالْجُمْهُورُ تقرن السموات وَالْأَرْضُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ كَمَا تُبْسَطُ الثِّيَابُ، فَذَلِكَ عَرْضُ الْجَنَّةِ، وَلَا يَعْلَمُ طُولَهَا إِلَّا اللَّهُ انْتَهَى وَلَا يُنْكَرُ هَذَا. فَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ فِي وَصْفِ الْجَنَّةِ وَسِعَتِهَا مَا يَشْهَدُ لِذَلِكَ. وَأَوْرَدَ ابْنُ عَطِيَّةَ مِنْ ذَلِكَ أَشْيَاءَ فِي كِتَابِهِ. وَالْجَنَّةُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَكْبَرُ مِنَ السموات، وَهِيَ مُمْتَدَّةٌ فِي الطُّولِ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ. وَخَصَّ الْعَرْضَ بِالذِّكْرِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى الطُّولِ، وَالطُّولُ إِذَا ذُكِرَ لَا يَدُلُّ عَلَى سِعَةِ الْعَرْضِ، إِذْ قَدْ يَكُونُ الْعَرْضُ يَسِيرًا كَعَرْضِ الْخَيْطِ.
وَقَالَ قَوْمٌ: مَعْنَاهُ كَعَرْضِ السموات وَالْأَرْضِ طِبَاقًا، لَا بِأَنْ تقرب كَبَسْطِ الثِّيَابِ.
فَالْجَنَّةُ فِي السَّمَاءِ وَعَرْضُهَا كَعَرْضِهَا، وَعَرَضُ مَا وَازَاهَا مِنَ الْأَرَضِينَ إِلَى السَّابِعَةِ، وَهَذِهِ دَلَالَةٌ على العظيم. وَأَغْنَى ذِكْرُ الْعَرْضِ عَنْ ذِكْرِ الطُّولِ. وَقَالَ ابْنُ فُورَكٍ: الْجَنَّةُ فِي السَّمَاءِ، وَيُزَادُ فِيهَا يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْجَنَّةِ أَخُلِقَتْ؟ وَهُوَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ. وَنَصُّ الْآثَارِ الصَّحِيحَةِ النَّبَوِيَّةِ أَمْ لَمْ تَخْلُقْ بَعْدُ؟ وَهُوَ قَوْلُ: الْمُعْتَزِلَةِ، وَوَافَقَهُمْ مِنْ أَهْلِ بِلَادِنَا الْقَاضِي مُنْذِرُ بْنُ سَعِيدٍ. وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ فُورَكٍ إِنَّهُ يُزَادُ فِيهَا فَيَحْتَاجُ إِلَى صِحَّةِ نَقْلٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: الْجِنَانُ أَرْبَعٌ: جَنَّةُ عَدْنٍ، وَجَنَّةُ الْمَأْوَى، وَجَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ، وَجَنَّةُ النَّعِيمِ. كُلُّ جَنَّةٍ مِنْهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، لَوْ وُصِلَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ مَا عَلِمَ طُولَهَا إِلَّا اللَّهُ. وَقَالَ ابْنُ بَحْرٍ:
هُوَ مِنْ عَرْضِ الْمَتَاعِ عَلَى الْبَيْعِ، لَا الْعَرْضُ الْمُقَابِلُ لِلطُّولِ. أَيْ لَوْ عُورِضَتْ بِهَا لساوها نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، وَجَاءَ إِعْدَادُهَا لِلْمُتَّقِينَ فَخُصُّوا بِالذِّكْرِ تَشْرِيفًا لَهُمْ، وَإِعْلَامًا بِأَنَّهُمُ الْأَصْلُ فِي ذَلِكَ، وَغَيْرُهُمْ تَبَعٌ لَهُمْ فِي إِعْدَادِهَا. وَإِنْ أُرِيدَ بِالْمُتَّقِينَ مُتَّقُو الشِّرْكِ كَانَ عَامًّا فِي كُلِّ مُسْلِمٍ طَائِعٍ أَوْ عَاصٍ.
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ: السَّرَّاءُ الْيُسْرُ، وَالضَّرَّاءُ الْعُسْرُ. وَقَالَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ وَالضَّحَّاكُ: الرَّخَاءُ وَالشِّدَّةُ. وَقِيلَ: فِي الْحَيَاةِ، وَبَعْدَ الْمَوْتِ بِأَنْ يُوصِيَ. وَقِيلَ: فِي الْفَرَحِ وَفِي التَّرَحِ. وَقِيلَ: فِيمَا يَسُرُّ كَالنَّفَقَةِ عَلَى الْوَلَدِ وَالْقَرَابَةِ، وَفِيمَا يَضُرُّ كَالنَّفَقَةِ عَلَى الْأَعْدَاءِ. وَقِيلَ: فِي ضِيَافَةِ الْغَنِيِّ وَالْإِهْدَاءِ إِلَيْهِ، وَفِيمَا يُنْفِقُهُ عَلَى أَهْلِ الضُّرِّ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَيْهِمْ. وَقِيلَ: فِي الْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ. وَيُحْتَمَلُ التَّقْيِيدُ بِهَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعْنِيَ بِهِمَا جَمِيعَ الْأَحْوَالِ، لِأَنَّ هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ لَا يَخْلُو الْمُنْفِقُ أَنْ يَكُونَ عَلَى إِحْدَاهُمَا. وَالْمَعْنَى: لَا يَمْنَعُهُمْ حَالُ سُرُورٍ وَلَا حَالُ ابْتِلَاءٍ عَنْ بَذْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute