للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَعْرُوفِ. وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا تَصَدَّقَتْ بِحَبَّةِ عِنَبٍ. وَعَنْ بَعْضِ السَّلَفِ بِبَصَلَةٍ. وابتدئ بصفة التقوى الشاملة لِجَمِيعِ الْأَوْصَافِ الشَّرِيفَةِ، ثُمَّ جِيءَ بَعْدَهَا بِصِفَةِ الْبَذْلِ، إِذْ كَانَتْ أَشُقُّ عَلَى النَّفْسِ وَأَدَلُّ عَلَى الْإِخْلَاصِ. وَأَعْظَمِ الْأَعْمَالِ لِلْحَاجَةِ إِلَى ذَلِكَ فِي الْجِهَادِ، وَمُوَاسَاةِ الفقراء. ويجوز في الدين الْإِتْبَاعُ وَالْقَطْعُ لِلرَّفْعِ وَالنَّصْبِ.

وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ أَيِ الْمُمْسِكِينَ مَا فِي أَنْفُسِهِمْ مِنَ الْغَيْظِ بِالصَّبْرِ، وَلَا يَظْهَرُ لَهُ أَثَرٌ، وَالْغَيْظُ: أَصْلُ الْغَضَبِ، وَكَثِيرًا مَا يَتَلَازَمَانِ، وَلِذَلِكَ فَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ هُنَا بِالْغَضَبِ.

وَالْغَيْظُ فِعْلٌ نَفْسَانِيٌّ لَا يَظْهَرُ عَلَى الْجَوَارِحِ، وَالْغَضَبُ فِعْلٌ لَهَا مَعَهُ ظُهُورٌ فِي الْجَوَارِحِ، وَفِعْلٌ مَا وَلَا بُدَّ، وَلِذَلِكَ أُسْنِدَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى إِذْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ أَفْعَالِهِ فِي الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ، وَلَا يُسْنَدُ الْغَيْظُ إِلَيْهِ تَعَالَى. وَوَرَدَتْ أَحَادِيثُ فِي كَظْمِ الْغَيْظِ وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْعِبَادَةِ.

وَرُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى إِنْفَاذِهِ مَلَأَهُ اللَّهُ أَمْنًا وَإِيمَانًا»

وَعَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَا مِنْ جُرْعَةٍ يَتَجَرَّعُهَا الْعَبْدُ خَيْرٌ لَهُ وَأَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ جُرْعَةِ غَيْظٍ فِي اللَّهِ»

وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ خَادِمًا لَهَا غَاظَهَا فَقَالَتْ: لِلَّهِ دَرُّ التَّقْوَى مَا تَرَكَتْ لِذِي غَيْظٍ شِفَاءً.

وَقَالَ مُقَاتِلٌ: بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: «إِنَّ هَذِهِ فِي أُمَّتِي لَقَلِيلٌ وَقَدْ كَانُوا أَكْثَرَ فِي الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ» .

وَأَنْشَدَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ حَبِيبٍ:

وَإِذَا غَضِبْتَ فَكُنْ وَقُورًا كَاظِمًا ... لِلْغَيْظِ تُبْصِرُ مَا تَقُولُ وَتَسْمَعُ

فَكَفَى بِهِ شَرَفًا تَصَبُّرُ سَاعَةً ... يَرْضَى بِهَا عَنْكَ الْإِلَهُ وَيَدْفَعُ

وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ أَيِ الْجُنَاةِ وَالْمُسِيئِينَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَالرَّبِيعُ:

الْمَمَالِيكُ. وَهَذَا مِثَالٌ، إِذِ الْأَرِقَّاءُ تَكْثُرُ ذُنُوبُهُمْ لِجَهْلِهِمْ وَمُلَازَمَتِهِمْ، وَإِنْفَاذُ الْعُقُوبَةِ عليهم سبيل لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ. وَقَالَ الْحَسَنُ: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ عَنِ الْأَرِقَّاءِ، وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ إِذَا جَهِلُوا عَلَيْهِمْ.

وَوَرَدَتْ أَخْبَارٌ نَبَوِيَّةٌ فِي الْعَفْوِ مِنْهَا: «يُنَادِي مُنَادٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيْنَ الَّذِينَ كَانَتْ أُجُورُهُمْ عَلَى اللَّهِ فَلْيَدْخُلُوا الْجَنَّةَ، فَيُقَالُ: مَنْ ذَا الَّذِي أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ فَلَا يَقُومُ إِلَّا مَنْ عَفَا» .

وَرَوَاهُ أَبُو سُفْيَانَ لِلرَّشِيدِ وَقَدْ غَضِبَ عَلَى رَجُلٍ فَخَلَّاهُ. وَيَجُوزُ فِي الْكَاظِمِينَ وَالْعَافِينَ الْقَطْعُ إِلَى النَّصْبِ وَالْإِتْبَاعُ، بِشَرْطِ إِتْبَاعْ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ.

وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلْجِنْسِ، فَيَتَنَاوَلُ كُلَّ مُحْسِنٍ. أَوْ لِلْعَهْدِ فَيَكُونُ ذَلِكَ إِشَارَةً إِلَى مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنَ الْمُتَّصِفِينَ بِتِلْكَ الْأَوْصَافِ. وَالْأَظْهَرُ الْأَوَّلُ، فَيَعُمُّ هَؤُلَاءِ وَغَيْرَهُمْ. وَهَذِهِ الْآيَةُ فِي الْمَنْدُوبِ إليهم. أَلَا تَرَى إِلَى حَدِيثِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>