للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَعْدَهَا عَلَى مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ، وَسَدَّ مَسَدَّ مَفْعُولٍ وَاحِدٍ وَالثَّانِي مَحْذُوفٌ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي الْحَسَنِ.

وَلَمَّا يَعْلَمِ: جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ، وَهِيَ نَفْيٌ مُؤَكَّدٌ لِمُعَادَلَتِهِ لِلْمُثْبَتِ الْمُؤَكَّدِ بِقَدْ. فَإِذَا قُلْتَ:

قَدْ قَامَ زَيْدٌ فَفِيهِ مِنَ التَّثْبِيتِ وَالتَّأْكِيدِ مَا لَيْسَ فِي قَوْلِكَ: قَامَ زَيْدٌ. فَإِذَا نَفَيْتَهُ قُلْتَ: لَمَّا يَقُمْ زَيْدٌ. وَإِذَا قُلْتَ: قَامَ زَيْدٌ كَانَ نَفْيُهُ لَمْ يَقُمْ زَيْدٌ، قَالَهُ سِيبَوَيْهِ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَلَمَّا بِمَعْنَى لَمْ، إِلَّا أَنَّ فِيهِ ضَرْبًا مِنَ التَّوَقُّعِ فَدَلَّ عَلَى نَفْيِ الْجِهَادِ فِيمَا مَضَى، وَعَلَى وقعه فِيمَا يُسْتَقْبَلُ. وَتَقُولُ: وَعَدَنِي أَنْ يَفْعَلَ كَذَا، وَلَمَّا تُرِيدْ، وَلَمْ يَفْعَلْ، وَأَنَا أَتَوَقَّعُ فِعْلَهُ انْتَهَى كَلَامُهُ. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِي لَمَّا أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى تَوَقُّعِ الْفِعْلِ الْمَنْهِيِّ بِهَا فِيمَا يُسْتَقْبَلُ، لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ النَّحْوِيِّينَ ذَكَرَهُ. بَلْ ذَكَرُوا أَنَّكَ إِذَا قُلْتَ: لَمَّا يَخْرُجْ زَيْدٌ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى انْتِفَاءِ الْخُرُوجِ فِيمَا مَضَى مُتَّصِلًا نَفْيُهُ إِلَى وَقْتِ الْإِخْبَارِ. أَمَّا أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى تَوَقُّعِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَلَا، لَكِنَّنِي وَجَدْتُ فِي كَلَامِ الْفَرَّاءِ شَيْئًا يُقَارِبُ مَا قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. قَالَ: لَمَّا لِتَعْرِيضِ الْوُجُودِ بِخِلَافِ لَمْ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ بِكَسْرِ الْمِيمِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ. وَقَرَأَ ابْنُ وَثَّابٍ وَالنَّخَعِيُّ بِفَتْحِهَا، وَخُرِّجَ عَلَى أَنَّهُ إِتْبَاعٌ لِفَتْحَةِ اللَّامِ وَعَلَى إِرَادَةِ النُّونِ الْخَفِيفَةِ وَحَذْفِهَا كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

لَا تُهِينَ الْفَقِيرَ عَلَّكَ أَنْ ... تَرْكَعَ يَوْمًا وَالدَّهْرُ قَدْ رَفَعَهُ

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: «وَيَعْلَمُ» بِرَفْعِ الْمِيمِ فَقِيلَ: هُوَ مَجْزُومٌ، وَأَتْبَعَ الْمِيمَ اللَّامَ فِي الْفَتْحِ كَقِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ: وَلَمَّا يَعْلَمِ بِفَتْحِ الْمِيمِ عَلَى أَحَدِ التَّخْرِيجَيْنِ. وَقِيلَ: هُوَ مَنْصُوبٌ. فَعَلَى مَذْهَبِ الْبَصْرِيِّينَ بِإِضْمَارِ أَنْ بَعْدَ وَاوٍ مَعَ نَحْوِ، لَا تَأْكُلِ السَّمَكَ وَتَشْرَبَ اللَّبَنَ. وَعَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ بِوَاوِ الصَّرْفِ، وَتَقْرِيرُ الْمَذْهَبَيْنِ فِي عِلْمِ النَّحْوِ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَابْنُ يَعْمُرَ وَأَبُو حَيْوَةَ وَعَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ عَطْفًا عَلَى وَلَمَّا يَعْلَمِ. وَقَرَأَ عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ أَبِي عَمْرٍو وَيَعْلَمُ بِرَفْعِ الْمِيمِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: عَلَى أَنَّ الْوَاوَ لِلْحَالِ كَأَنَّهُ قِيلَ: وَلَمَّا تُجَاهِدُوا وَأَنْتُمْ صابرون انْتَهَى. وَلَا يَصِحُّ مَا قَالَ، لِأَنَّ وَاوَ الْحَالِ لَا تدخل على المضارع، لَا يَجُوزُ:

جَاءَ زَيْدٌ وَيَضْحَكُ، وَأَنْتَ تُرِيدُ جَاءَ زَيْدٌ يَضْحَكُ، لِأَنَّ الْمُضَارِعَ وَاقِعٌ مَوْقِعَ اسْمِ الْفَاعِلِ.

فَكَمَا لَا يَجُوزُ جَاءَ زَيْدٌ وَضَاحِكًا، كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ جَاءَ زَيْدٌ وَيَضْحَكُ. فَإِنْ أُوِّلَ عَلَى أَنَّ الْمُضَارِعَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَمْكَنَ ذَلِكَ، التَّقْدِيرُ: وَهُوَ يَعْلَمُ الصَّابِرِينَ كَمَا أَوَّلُوا قَوْلَهُ:

نَجَوْتُ وَأَرْهَنُهُمْ مَالِكًا، أَيْ وَأَنَا أَرْهَنُهُمْ. وَخَرَّجَ غَيْرُ الزَّمَخْشَرِيِّ قِرَاءَةَ الرَّفْعِ عَلَى اسْتِئْنَافِ الْإِخْبَارِ، أَيْ: وَهُوَ يَعْلَمُ الصَّابِرِينَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>