للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخلاف في ذلك، أَهِيَ تَاءُ الْمُضَارَعَةِ؟ أَمْ تَاءُ تَفْعَلُ؟ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُمْ أَوَّلًا أَصْعَدُوا فِي الْوَادِي لَمَّا أَرْهَقَهُمُ الْعَدْوُ، وَصَعِدُوا فِي الْجَبَلِ. وَقَرَأَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ وَابْنُ كَثِيرٍ فِي رِوَايَةِ شِبْلٍ:

يَصْعَدُونَ وَلَا يَلْوُونَ بِالْيَاءِ عَلَى الْخُرُوجِ مِنَ الْخِطَابِ إِلَى الْغَائِبِ. والعامل في إذا ذكر مَحْذُوفَةٌ. أَوْ عَصَيْتُمْ، أَوْ تَنَازَعْتُمْ، أَوْ فَشِلْتُمْ، أَوْ عَفَا عَنْكُمْ، أَوْ لِيَبْتَلِيَكُمْ، أَوْ صَرَفَكُمْ، وَهَذَانِ عَنِ الزَّمَخْشَرِيِّ، وَمَا قَبْلَهُ عَنِ ابْنِ عَطِيَّةَ. وَالثَّلَاثَةُ قَبْلَهُ بَعِيدَةٌ لِطُولِ الْفَصْلِ. وَالْأَوَّلُ جَيِّدٌ، لِأَنَّ مَا قَبْلَ إِذْ جُمَلٌ مُسْتَقِلَّةٌ يَحْسُنُ السُّكُوتُ عَلَيْهَا، فَلَيْسَ لَهَا تَعَلُّقٌ إِعْرَابِيٌّ بِمَا بَعْدَهَا، إِنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ السِّيَاقَ كُلَّهَ فِي قِصَّةٍ وَاحِدَةٍ. وَتَعَلُّقُهُ بِصَرَفَكُمْ جَيِّدٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، وَبِعَفَا عَنْكُمْ جَيِّدٌ مِنْ حَيْثُ الْقُرْبِ.

وَمَعْنَى ولا تلوون على أحد: أَيْ لَا تَرْجِعُونَ لِأَحَدٍ من شدة الفرار. يقال: لَوَى بِكَذَا ذَهَبَ بِهِ. وَلَوَى عَلَيْهِ: كَرَّ عَلَيْهِ وَعَطَفَ. وَهَذَا أَشَدُّ فِي الْمُبَالَغَةِ مِنْ قَوْلِهِ: أَخُو الْجَهْدِ لَا يَلْوِي عَلَى مَنْ تَعَذَّرَا لِأَنَّهُ فِي الْآيَةِ نَفْيٌ عَامٌّ، وَفِي هَذَا نَفْيٌ خَاصٌّ، وَهُوَ عَلَى مَنْ تَعَذَّرَا. وَقَالَ دريد ابن الصِّمَّةَ: وَهَلْ يَرُدُّ الْمُنْهَزِمَ شيء؟ وقرىء تلو من بِإِبْدَالِ الوَاوِ هَمْزَةَ، وَذَلِكَ لِكَرَاهَةِ اجْتِمَاعِ الْوَاوَيْنِ. وَقِيَاسُ هَذِهِ الْوَاوِ الْمَضْمُومَةِ أَنْ لَا تُبْدَلَ هَمْزَةً لِأَنَّ الضَّمَّةَ فِيهَا عَارِضَةٌ. وَمَتَى وَقَعَتِ الْوَاوُ غَيْرَ أَوَّلٍ وَهِيَ مَضْمُومَةٌ، فَلَا يَجُوزُ الْإِبْدَالُ مِنْهَا هَمْزَةً إِلَّا بِشَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ الضَّمَّةُ لَازِمَةً. الثَّانِي: أَنْ لَا تَكُونَ يُمْكِنُ تَخْفِيفُهَا بِالْإِسْكَانِ. مِثَالُ ذَلِكَ: فَوُوجٌ وَفَوُولٌ.

وَغَوُورٌ. فَهُنَا يَجُوزُ فؤوج وقؤول وغؤور بِالْهَمْزِ. وَمِثْلُ كَوْنِهَا عَارِضَةٌ: هَذَا دُلُوكٌ. وَمِثْلُ إِمْكَانِ تَخْفِيفِهَا بِالْإِسْكَانِ: هَذَا سُورٌ، وَنُورٌ، جَمْعُ سُوَارٍ وَنُوَارِ. فَإِنَّكَ تَقُولُ فِيهِمَا: سُورٌ وَنُورٌ. وَنَبَّهَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَلَى شَرْطٍ آخَرَ وَهُوَ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَهُوَ: أَنْ لَا يَكُونَ مُدْغَمًا فيها نحو: تعود، فلا يجوز فيه تعود بِإِبْدَالِ الْوَاوِ الْمَضْمُومَةِ هَمْزَةً. وَزَادَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ شَرْطًا آخَرُ وَهُوَ: أَنْ لَا تَكُونَ الْوَاوُ زَائِدَةٌ نَحْوَ: التَّرَهْوُكُ وَهَذَا الشَّرْطُ لَيْسَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ: تَلُونَ، وَخَرَّجُوهَا عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ هَمَزِ الْوَاوِ، وَنَقَلَ الْحَرَكَةَ إِلَى اللَّامِ، وَحَذَفَ الْهَمْزَةِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وحذفت إحدى الواوين الساكنين، وَكَانَ قَدْ قَالَ فِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ:

هِيَ قِرَاءَةٌ مُتَرَكِّبَةٌ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ هَمَزَ الْوَاوَ الْمَضْمُومَةِ، ثُمَّ نُقِلَتْ حَرَكَةُ الْهَمْزَةِ إِلَى اللَّامِ انْتَهَى. وَهَذَا كَلَامٌ عَجِيبٌ تَخَيَّلَ هَذَا الرَّجُلُ أَنَّهُ قَدْ نُقِلَتِ الْحَرَكَةُ إِلَى اللَّامِ فَاجْتَمَعَ وَاوَانِ سَاكِنَانِ، إِحْدَاهُمَا: الْوَاوُ الَّتِي هِيَ عَيْنُ الْكَلِمَةِ، وَالْأُخْرَى: وَاوُ الضَّمِيرِ. فَحُذِفَتْ إِحْدَى الْوَاوَيْنِ لِأَنَّهُمَا سَاكِنَتَانِ، وَهَذَا قَوْلُ مَنْ لَمْ يُمْعِنْ فِي صِنَاعَةِ النَّحْوِ. لِأَنَّهَا إِذَا كَانَتْ مُتَرَكِّبَةً عَلَى لُغَةِ مَنْ هَمَزَ الْوَاوَ ثُمَّ نَقَلَ حَرَكَتَهَا إِلَى اللَّامِ، فَإِنَّ الْهَمْزَةَ إِذْ ذَاكَ تُحْذَفُ، وَلَا يَلْتَقِي

<<  <  ج: ص:  >  >>