للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرَّأْيِ وَتَنْقِيحِهِ، وَالْفِكْرِ فِيهِ. وَإِنَّ ذَلِكَ مَطْلُوبٌ شَرْعًا خِلَافًا لِمَا كَانَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْعَرَبِ مِنْ:

تَرْكِ الْمَشُورَةِ، وَمِنَ: الِاسْتِبْدَادِ بِرَأْيِهِ مِنْ غَيْرِ فِكْرٍ فِي عَاقِبَةٍ، كَمَا قَالَ:

إِذَا هَمَّ أَلْقَى بَيْنَ عَيْنَيْهِ عَزْمَهُ ... وَنَكَّبَ عَنْ ذِكْرِ الْعَوَاقِبِ جَانِبًا

وَلَمْ يَسْتَشِرْ فِي رَأْيِهِ غَيْرَ نَفْسِهِ ... وَلَمْ يَرْضَ إِلَّا قَائِمَ السَّيْفِ صَاحِبَا

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ عَزَمْتَ عَلَى الْخِطَابِ كَالَّذِي قَبْلَهُ. وَقَرَأَ عِكْرِمَةُ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَأَبُو نَهِيكٍ وَجَعْفَرٌ الصَّادِقُ عَزَمْتُ بِضَمِّ التَّاءِ عَلَى أَنَّهَا ضَمِيرٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَالْمَعْنَى فَإِذَا عَزَمْتُ لَكَ عَلَى شَيْءٍ أَيْ أَرْشَدْتُكَ إِلَيْهِ وَجَعَلْتُكَ تَقْصِدُهُ وَيَكُونُ قَوْلُهُ عَلَى اللَّهِ مِنْ بَابِ الِالْتِفَاتِ إِذْ لَوْ جَرَى عَلَى نَسَقِ ضَمِّ التَّاءِ لَكَانَ فَتَوَكَّلْ عَلَيَّ وَنَظِيرُهُ فِي نِسْبَةِ الْعَزْمِ إِلَى اللَّهِ عَلَى سَبِيلِ التَّجَوُّزِ قَوْلُ أُمِّ سَلَمَةَ، ثُمَّ عَزَمَ الله إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ حَثَّ عَلَى التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ، إِذْ أَخْبَرَ أَنَّهُ يُحِبُّ مَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ، وَالْمَرْءُ سَاعٍ فِيمَا يُحَصِّلُ لَهُ مَحَبَّةَ اللَّهِ تَعَالَى.

وَقَدْ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ فُنُونًا مِنَ الْبَيَانِ وَالْبَدِيعِ وَالْإِبْهَامِ فِي: وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ، فَمَنْ قَالَ: هُوَ الرَّسُولُ أَبْهَمَهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَلِأَنَّ التَّصْرِيحَ فِيهِ هَضْمٌ لِقَدْرِهِ. وَالتَّجْنِيسُ الْمُمَاثِلُ فِي: غَمًّا بِغَمٍّ، ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ. وَالطِّبَاقُ: فِي يُخْفُونَ وَيُبْدُونَ، وَفِي فَاتَكُمْ وَأَصَابَكُمْ. وَالتَّجْنِيسُ الْمُغَايِرُ فِي: تَظُنُّونَ وَظَنَّ، وَفِي فَتَوَكَّلْ وَالْمُتَوَكِّلِينَ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ فِي فَظًّا وَلَانْفَضُّوا، وَلَيْسَ مِنْهُ، لِأَنَّهُ قَدِ اخْتَلَفَتِ الْمَادَّتَانِ وَالتَّفْسِيرُ بَعْدَ الْإِبْهَامِ فِي مَا لَا يُبْدُونَ يَقُولُونَ. وَالِاحْتِجَاجُ النَّظَرِيُّ فِي: لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَالِاعْتِرَاضُ فِي: قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ. وَالِاخْتِصَاصُ فِي: بِذَاتِ الصُّدُورِ، وَفِي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ، وَفِي يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ. وَالْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ: لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً. وَالِاسْتِعَارَةُ فِي: إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ، وَفِي لِنْتَ، وَفِي غَلِيظَ الْقَلْبِ. وَالتَّكْرَارُ فِي: مَا مَاتُوا، وَمَا قُتِلُوا، وَمَا بَعْدَهُمَا، وَفِي: عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ. وَزِيَادَةُ الْحَرْفِ لِلتَّأْكِيدِ فِي: فَبِمَا رَحْمَةٍ. وَالِالْتِفَاتُ وَالْحَذْفُ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ.

إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ هَذَا الْتِفَاتٌ، إِذْ هُوَ خُرُوجٌ مِنْ غَيْبَةٍ إِلَى الْخِطَابِ. وَلَمَّا أَمَرَهُ بِمُشَاوَرَتِهِمْ وَبِالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، أَوْضَحَ أَنَّ مَا صَدَرَ مِنَ النَّصْرِ أَوِ الْخِذْلَانِ إِنَّمَا هُوَ رَاجِعٌ لِمَا يَشَاءُ. وَأَنَّهُ مَتَى نَصَرَكُمْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَغْلِبَكُمْ أَحَدٌ، وَمَتَى خَذَلَكُمْ فَلَا نَاصِرَ لَكُمْ فِيمَا وَقَعَ لَكُمْ مِنَ النَّصْرِ، أَوْ بِكُمْ مِنَ الْخِذْلَانِ كَيَوْمَيْ: بَدْرٍ وَأُحُدٍ، فَبِمَشِيئَتِهِ. وَفِي هَذَا تَسْلِيَةٌ لَهُمْ عَمَّا وَقَعَ لَهُمْ مِنَ الْفِرَارِ. ثُمَّ أَمَرَهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>