للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أَكْذَبَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي دَعْوَاهُمْ ذَلِكَ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: الْقَتْلُ ضَرْبٌ مِنَ الْمَوْتِ، فَإِنْ كَانَ لَكُمْ سَبِيلٌ إِلَى دَفْعِهِ عَنْ أَنْفُسِكُمْ بِفِعْلٍ اخْتِيَارِيٍّ فَادْفَعُوا عَنْهَا الْمَوْتَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى أَنَّكُمْ مُبْطِلُونَ فِي دعواكم.

والدرة: الدَّفْعُ، وَتَقَدَّمَتْ مَادَّتُهُ فِي قَوْلِهِ: «فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا» «١» وَقَالَ دَغْفَلٌ النَّسَّابَةُ:

صَادَفَ دَرْءُ السَّيْلِ دَرْأً يَدْفَعُهُ ... وَالْعِبْءُ لَا تَعْرِفُهُ أَوْ تَرْفَعُهُ

وَالْمَعْنَى: إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فِي دَعْوَاكُمْ أَنَّ التَّحَيُّلَ وَالتَّحَرُّزَ يُنْجِي مِنَ الْمَوْتِ، فَجِدُّوا أَنْتُمْ فِي دَفْعِهِ، وَلَنْ تَجِدُوا إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِكُمْ بَعْضُ أَسْبَابِ الْمَنُونِ.

وَهَبْ أَنَّكُمْ عَلَى زَعْمِكُمْ دَفَعْتُمْ بِالْقُعُودِ هَذَا السَّبَبَ الْخَاصَّ، فَادْفَعُوا سَائِرَ أَسْبَابِ الْمَوْتِ، وَهَذَا لا يمن لَكُمْ أَلْبَتَّةَ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (فَإِنْ قُلْتَ) : فَقَدْ كَانُوا صَادِقِينَ فِي أَنَّهُمْ دَفَعُوا الْقَتْلَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِالْقُعُودِ، فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ: إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ؟ (قُلْتَ) : مَعْنَاهُ أَنَّ النَّجَاةَ مِنَ الْقَتْلِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُهَا الْقُعُودَ عَنِ الْقِتَالِ، وَأَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ. لِأَنَّ أَسْبَابَ النَّجَاةِ كَثِيرَةٌ.

وَقَدْ يَكُونُ قِتَالُ الرَّجُلِ نَجَاتَهُ، وَلَوْ لَمْ يُقَاتِلْ لَقُتِلَ، فَمَا يُدْرِيكُمْ أَنَّ سَبَبَ نَجَاتِكُمُ الْقُعُودُ وَأَنَّكُمْ صَادِقُونَ فِي مُقَاتَلَتِكُمْ وَمَا أَنْكَرْتُمْ أَنْ يَكُونَ السَّبَبُ غَيْرَهُ؟ وَوَجْهٌ آخَرُ: إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فِي قَوْلِكُمْ: لَوْ أَطَاعُونَا وَقَعَدُوا مَا قُتِلُوا، يَعْنِي: أَنَّهُمْ لَوْ أَطَاعُوكُمْ وَقَعَدُوا لَقُتِلُوا قَاعِدِينَ، كَمَا قُتِلُوا مقاتلين. وقوله: فادرؤا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ، اسْتِهْزَاءٌ بِهِمْ، أَيْ إِنْ كُنْتُمْ رِجَالًا دَفَّاعِينَ لِأَسْبَابِ الْمَوْتِ فادرؤا جَمِيعَ أَسْبَابِهِ حَتَّى لَا تَمُوتُوا انْتَهَى كَلَامُهُ. وَهُوَ حَسَنٌ عَلَى طُولِهِ.

وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ قِيلَ: هُمْ قَتْلَى أُحُدٍ، وَقِيلَ: شُهَدَاءُ بِئْرِ مَعُونَةَ. وَقِيلَ: شُهَدَاءُ بَدْرٍ. وَهَلْ سَبَبُ ذَلِكَ قَوْلُ مَنِ اسْتُشْهِدَ وَقَدْ دَخَلَ الْجَنَّةَ فَأَكَلَ مِنْ ثِمَارِهَا: مَنْ يُبَلِّغُ عَنَّا إِخْوَانَنَا أَنَّا فِي الْجَنَّةِ نُرْزَقُ، لَا تَزْهَدُوا فِي الْجِهَادِ. فَقَالَ اللَّهُ: أَنَّا أُبَلِّغُ عَنْكُمْ، فَنَزَلَتْ. أَوْ قَوْلُ مَنْ لَمْ يَسْتَشْهِدْ مِنْ أَوْلِيَاءِ الشُّهَدَاءِ:

إِذَا أَصَابَتْهُمْ نِعْمَةٌ نَحْنُ فِي النِّعْمَةِ وَالسُّرُورِ، وَآبَاؤُنَا وَأَبْنَاؤُنَا وَإِخْوَانُنَا فِي الْقُبُورِ، فَنَزَلَتْ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: وَلَا تَحْسَبَنَّ بِالتَّاءِ، أَيْ وَلَا تَحْسَبَنَّ أَيُّهَا السَّامِعُ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ:

الْخِطَابُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ لِكُلِّ أَحَدٍ. وَقَرَأَ حُمَيْدُ بْنُ قَيْسٍ وَهِشَامٌ بِخِلَافٍ عَنْهُ بِالْيَاءِ، أَيْ:


(١) سورة البقرة: ٢/ ٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>