للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يَحْسَبَنَّ هُوَ، أَيْ: حَاسِبٌ وَاحِدٌ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَأَرَى هَذِهِ الْقِرَاءَةَ بِضَمِّ الْيَاءِ، فَالْمَعْنَى: وَلَا يُحْسَبَنَّ النَّاسُ انْتَهَى.

قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ يكون الَّذِينَ قُتِلُوا فَاعِلًا، وَيَكُونَ التَّقْدِيرُ: وَلَا يَحْسَبَنَّهُمُ الَّذِينَ قُتِلُوا أَمْوَاتًا، أَيْ: لَا تَحْسَبَّنَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَنْفُسَهُمْ أَمْوَاتًا. (فَإِنْ قُلْتَ) : كَيْفَ جَازَ حَذْفُ الْمَفْعُولِ الْأَوَّلِ؟ (قُلْتُ) : هُوَ فِي الْأَصْلِ مُبْتَدَأٌ فَحُذِفَ كَمَا حُذِفَ الْمُبْتَدَأُ فِي قَوْلِهِ:

أَحْيَاءٌ. وَالْمَعْنَى: هُمْ أَحْيَاءٌ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهَا انْتَهَى كَلَامُهُ. وَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مِنْ أَنَّ التَّقْدِيرَ:

وَلَا تَحْسَبَنَّهُمُ الَّذِينَ قُتِلُوا أَمْوَاتًا لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ فِيهِ تَقْدِيمُ الْمُضْمَرِ عَلَى مُفَسِّرِهِ، وَهُوَ مَحْصُورٌ فِي أَمَاكِنَ لَا تَتَعَدَّى وَهِيَ بَابُ: رُبَّ بِلَا خِلَافٍ، نَحْوَ: رُبَّهُ رَجُلًا أَكْرَمْتُهُ، وَبَابُ نِعْمَ وَبِئْسَ فِي نَحْوِ: نِعْمَ رَجُلًا زَيْدٌ عَلَى مَذْهَبِ الْبَصْرِيِّينَ، وَبَابُ التَّنَازُعِ عَلَى مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ فِي نَحْوِ: ضَرَبَانِي وَضَرَبْتُ الزَّيْدَيْنِ، وَضَمِيرِ الْأَمْرِ وَالشَّأْنِ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْمَجْهُولِ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ نَحْوَ: هُوَ زَيْدٌ مُنْطَلِقٌ، وَبَابُ الْبَدَلِ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ بَيْنَ الْبَصْرِيِّينَ فِي نَحْوِ: مَرَرْتُ بِهِ زَيْدٌ، وَزَادَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنْ يَكُونَ الظَّاهِرُ الْمُفَسَّرُ خَبَرًا لِلضَّمِيرِ، وَجُعِلَ مِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:

وَقالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا «١» التَّقْدِيرُ عِنْدَهُ: مَا الْحَيَاةُ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا. وَهَذَا الَّذِي قَدَّرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ لَيْسَ وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الْأَمَاكِنِ الْمَذْكُورَةِ. وَأَمَّا سُؤَالُهُ وَجَوَابُهُ فَإِنَّهُ قَدْ يَتَمَشَّى عَلَى رَأْيِ الْجُمْهُورِ فِي أَنَّهُ: يَجُوزُ حَذْفُ أَحَدِ مَفْعُولَيْ ظَنَّ وَأَخَوَاتِهَا اخْتِصَارًا، وَحَذْفُ الِاخْتِصَارِ هُوَ لِفَهْمِ الْمَعْنَى، لَكِنَّهُ عِنْدَهُمْ قَلِيلٌ جِدًّا. قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: حَذْفُهُ عَزِيزٌ جِدًّا، كَمَا أَنَّ حَذْفَ خَبَرِ كَانَ كَذَلِكَ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ جِهَتَا الْقُبْحِ انْتَهَى. قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ. وَقَدْ ذَهَبَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَلْكُونَ الْحَضْرَمِيُّ الْإِشْبِيلِيُّ إِلَى مَنْعِ ذَلِكَ اقْتِصَارًا، وَالْحُجَّةُ لَهُ وَعَلَيْهِ مَذْكُورَةٌ فِي عِلْمِ النَّحْوِ. وَمَا كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ مَمْنُوعًا عِنْدَ بَعْضِهِمْ عَزِيزًا حَذْفُهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، يَنْبَغِي أَنْ لَا يُحْمَلَ عَلَيْهِ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى. فَتَأْوِيلُ مَنْ تَأَوَّلَ الْفَاعِلَ مُضْمَرًا يُفَسِّرُهُ الْمَعْنَى، أَيْ: لَا يَحْسَبَنَّ هُوَ أَيْ أَحَدٌ، أَوْ حَاسِبٌ أَوْلَى. وَتَتَّفِقُ الْقِرَاءَتَانِ فِي كَوْنِ الْفَاعِلِ ضَمِيرًا وَإِنِ اخْتَلَفَتْ بِالْخِطَابِ والغيبة.

وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي مَعْنَى مَوْتِ الشُّهَدَاءِ وَحَيَاتِهِمْ فِي قَوْلِهِ: وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ «٢» فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ هُنَا. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَابْنُ عَامِرٍ قُتِّلُوا بِالتَّشْدِيدِ. وَرُوِيَ عَنْ عَاصِمٍ: قَاتَلُوا. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: قُتِلُوا مُخَفَّفًا. وَقَرَأَ الجمهور: بل


(١) سورة الأنعام: ٦/ ٢٩. [.....]
(٢) سورة البقرة: ٢/ ١٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>