للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْكَافِي، أُطْلِقَ وَيُرَادُ بِهِ مَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُوصَفُ بِهِ فَتَقُولُ: مَرَرْتُ بِرَجُلٍ حَسْبِكَ مِنْ رَجُلٍ، أَيْ: كَافِيكَ. فَتَصِفُ بِهِ النَّكِرَةَ، إِذْ إِضَافَتُهُ غَيْرُ مَحْضَةٍ، لِكَوْنِهِ فِي مَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ غَيْرِ الْمَاضِي الْمُجَرَّدِ مِنْ أَلْ. وَقَالَ:

وَحَسْبُكَ مِنْ غِنًى شِبَعٍ وَرِيِّ أَيْ كَافِيكَ. وَالْوَكِيلُ: فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، أَيِ الْمَوْكُولُ إِلَيْهِ الْأُمُورُ. قِيلَ: وَهَذِهِ الْحَسْبَلَةُ هِيَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ. وَالْمَخْصُوصُ بِالْمَدْحِ مَحْذُوفٌ لِفَهْمِ الْمَعْنَى، التَّقْدِيرُ: وَنِعْمَ الْوَكِيلُ اللَّهُ. قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: الْوَكِيلُ الرَّبُّ قَالَهُ: قَوْمٌ انْتَهَى. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ مِنْ أَسْمَاءِ صِفَاتِهِ تَعَالَى كَمَا تَقُولُ: الْقَهَّارُ هُوَ اللَّهُ. وَقِيلَ: هُوَ بِمَعْنَى الْوَلِيِّ وَالْحَفِيظِ، وَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى مَعْنَى الْمَوْكُولِ إِلَيْهِ الْأُمُورُ. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَالْوَكِيلُ الْكَفِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ

أَيْ: فَرَجَعُوا مِنْ بَدْرٍ مَصْحُوبِينَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَهِيَ: السَّلَامَةُ وَحَذَرُ الْعَدُوِّ إِيَّاهُمْ، وَفَضْلٌ:

وَهُوَ الرِّبْحُ فِي التِّجَارَةِ. كَقَوْلِهِ: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ «١» هَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الِانْقِلَابِ، وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ، يُرِيدُ: فِي السَّلَامَةِ وَالظُّهُورِ، وَفِي اتِّبَاعِ الْعَدُوِّ، وَحِمَايَةِ الْحَوْزَةِ، وَبِفَضْلٍ فِي الْأَجْرِ الَّذِي حَازُوهُ، وَالْفَخْرِ الَّذِي تَخَلَّلُوهُ، وَأَنَّهَا فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ فِي الْخَرْجَةِ إِلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ. وَشَذَّ مُجَاهِدٌ وَقَالَ: فِي خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَدْرٍ الصُّغْرَى، وَذَكَرَ قِصَّةَ نُعَيْمٍ وَأَبِي سُفْيَانَ. قَالَ: وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي غَزْوَةِ حَمْرَاءِ الْأَسَدِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.

وَالْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي قَوْلِهِ: الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ «٢» وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ عِنْدَ ذِكْرِ تَفْسِيرِهَا. وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الِانْقِلَابِ وَالرُّجُوعِ، بِأَنَّ الِانْقِلَابَ صَيْرُورَةُ الشَّيْءِ إِلَى خِلَافَ مَا كَانَ عَلَيْهِ. قَالَ: وَيُوَضِّحُ هَذَا أَنَّكَ تَقُولُ: انْقَلَبَتِ الْخَمْرُ خَلًّا، وَلَا تَقُولُ: رَجَعَتِ الْخَمْرُ خَلًّا انْتَهَى كَلَامُهُ، وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ. وَقِيلَ: النِّعْمَةُ الْأَجْرُ قَالَهُ: مُجَاهِدٌ. وَقِيلَ: الْعَافِيَةُ وَالنَّصْرُ. قَالَهُ: الزَّجَّاجُ. قِيلَ: وَالْفَضْلُ رِبْحُ التِّجَارَةِ قَالَهُ: مُجَاهِدٌ، وَالسُّدِّيُّ، وَالزُّهْرِيُّ. وَتَقَدَّمَ حِكَايَةُ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ مُجَاهِدٍ. وَقِيلَ: أَصَابُوا سَرِيَّةً بِالصَّفْرَاءِ فَرُزِقُوا مِنْهَا قَالَهُ: مُقَاتِلٌ. وَقِيلَ: الثَّوَابُ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَالْجُمْلَةُ مِنْ قوله:


(١) سورة البقرة: ٢/ ١٩٨.
(٢) سورة آل عمران: ٣/ ١٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>