وَجَوَّزُوا فِي إِعْرَابِ الَّذِينَ قَالَ: أَوْجُهُ الَّذِينَ قَبْلَهُ، والفاعل بزاد ضَمِيرٌ مُسْتَكِنٌّ يَعُودُ عَلَى الْمَصْدَرِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَالَ أَيْ: فَزَادَهُمْ ذَلِكَ الْقَوْلُ إِيمَانًا. وَأَجَازَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَنْ يَعُودَ إِلَى الْقَوْلِ، وَأَنْ يَعُودَ إِلَى النَّاسِ إِذَا أُرِيدَ بِهِ نُعَيْمٌ وَحْدَهُ. وَهُمَا ضَعِيفَانِ، مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْأَوَّلَ لَا يَزِيدُ إِيمَانًا إِلَّا بِالنُّطْقِ بِهِ، لَا هُوَ فِي نَفْسِهِ. وَمِنْ حَيْثُ إِنَّ الثَّانِي إِذَا أَطْلَقَ عَلَى الْمُفْرَدِ لَفْظَ الْجَمْعِ مَجَازًا فَإِنَّ الضمائر تجزي عَلَى ذَلِكَ الْجَمْعِ، لَا عَلَى الْمُفْرَدِ. فَيَقُولُ: مَفَارِقُهُ شَابَتْ، بِاعْتِبَارِ الْإِخْبَارِ عَنِ الْجَمْعِ، وَلَا يَجُوزُ مَفَارِقُهُ شَابَ، بِاعْتِبَارِ مَفْرِقِهِ شَابَ.
وَظَاهِرُ اللَّفْظِ أَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ، وَمَعْنَاهُ هُنَا: أَنَّ ذَلِكَ الْقَوْلَ زَادَهُمْ تَثْبِيتًا وَاسْتِعْدَادًا، فَزِيَادَةُ الْإِيمَانِ عَلَى هَذَا هِيَ فِي الْأَعْمَالِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذلك، فقال قوم: يزيد وَيَنْقُصُ بِاعْتِبَارِ الطَّاعَاتِ، لِأَنَّهَا مِنْ ثَمَرَاتِ الْإِيمَانِ، وَيَنْقُصُ بِالْمَعْصِيَةِ وَهُوَ: مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَنُسِبَ لِلشَّافِعِيِّ. وَقَالَ قَوْمٌ: مِنْ جِهَةِ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ كَالنِّيَّةِ وَالْإِخْلَاصِ وَالْخَوْفِ وَالنَّصِيحَةِ.
وَقَالَ قَوْمٌ: مِنْ طَرِيقِ الْأَدِلَّةِ وَكَثْرَتِهَا وَتَظَافُرِهَا عَلَى مُعْتَقَدٍ وَاحِدٍ. وَقَالَ قَوْمٌ: مِنْ طَرِيقِ نُزُولِ الْفَرَائِضِ وَالْأَخْبَارِ فِي مُدَّةِ الرَّسُولِ. وَقَالَ قَوْمٌ: لَا يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ وَالنَّقْصَ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَحَكَاهُ الْبَاقِلَّانِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي فِي الْإِرْشَادِ: زِيَادَتُهُ مِنْ حَيْثُ ثُبُوتِهِ وَتَعَاوُرِهِ دَائِمًا، لِأَنَّهُ عَرْضٌ لَا يُثْبِتُ زَمَانَيْنِ، فَهُوَ لِلصَّالِحِ مُتَعَاقِبٌ مُتَوَالٍ، وَلِلْفَاسِقِ وَالْغَافِلِ غَيْرُ مُتَوَالٍ، فَهَذَا مَعْنَى الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ. وَذَهَبَ قَوْمٌ: إِلَى مَا نَطَقَ بِهِ النَّصُّ، وَهُوَ أَنَّهُ يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ. وَرُوِيَ شِبْهَهُ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ. وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْإِيمَانَ إِذَا أُرِيدَ بِهِ التَّصْدِيقُ فَيُعَلَّقُ بِشَيْءٍ وَاحِدٍ: أَنَّهُ تَسْتَحِيلُ فِيهِ الزِّيَادَةُ وَالنَّقْصُ، فَإِنَّمَا ذَلِكَ بِحَسَبِ مُتَعَلِّقَاتِهِ دُونَ ذَاتِهِ، وَحُجَجُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ مَذْكُورَةٌ فِي الْمُصَنَّفَاتِ الَّتِي تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، وَقَدْ أَفْرَدَهَا بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِالتَّصْنِيفِ فِي كِتَابٍ. وَلَمَّا تَقَدَّمَ مِنَ الْمُثَبِّطِينَ إِخْبَارٌ بِأَنَّ قُرَيْشًا قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ، وَأَمْرٌ مِنْهُمْ لَهُمْ بِخَشْيَتِهِمْ لِهَذَا الْجَمْعِ الَّذِي جَمَعُوهُ، تَرَتَّبَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ شَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا: قَلْبِيٌّ وَهُوَ زِيَادَةُ الْإِيمَانِ، وَهُوَ مُقَابِلٌ لِلْأَمْرِ بِالْخَشْيَةِ. فَأَخْبَرَ بِحُصُولِ طُمَأْنِينَةٍ فِي الْقَلْبِ تُقَابِلَ الْخَشْيَةَ، وَأَخْبَرَ بَعْدُ بِمَا يُقَابِلُ جَمْعَ النَّاسِ وَهُوَ: إِنَّ كَافِيَهُمْ شَرَّ النَّاسِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، ثُمَّ أَثْنَوْا عَلَيْهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُمْ: حَسْبُنَا اللَّهُ هُوَ مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي التَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، وَرَبْطِ أُمُورِهِمْ بِهِ تَعَالَى. فَانْظُرْ إِلَى بَرَاعَةِ هَذَا الْكَلَامِ وَبَلَاغَتِهِ، حَيْثُ قُوبِلَ قَوْلٌ بِقَوْلٍ، وَمُتَعَلِّقُ قَلْبٍ بِمُتَعَلِّقِ قَلْبٍ. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي حَسْبُ فِي قَوْلِهِ: فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ «١» وَمِنْ قَوْلِهِمْ: أَحْسَبَهُ الشَّيْءُ كَفَاهُ. وَحَسْبُ بِمَعْنَى الْمُحْسِبِ، أَيِ
(١) سورة آل عمران: ٣/ ١٧٣.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute