للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلَّهِ وَالرَّسُولِ قَدْ أَحْسَنُوا كُلَّهُمْ وَاتَّقَوْا، إِلَّا بَعْضَهُمْ. وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَتْ لِي عَائِشَةُ: إِنَّ أَبَوَيْكَ لَمِمَّنِ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ تَعْنِي: أَبَا بَكْرٍ وَالزُّبَيْرَ انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: مِنْهُمْ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي أَحْسَنُوا، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ وَهُوَ قَوْلُ مَنْ لَا يَرَى أَنَّ مِنْ تَكُونُ لِبَيَانِ الْجِنْسِ.

الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ قِيلَ: أُرِيدَ بِالنَّاسِ الْأُوَلِ أَبُو نعيم بن مسعود الأشجعي، وَهُوَ قَوْلُ:

ابْنِ قُتَيْبَةَ، وَضَعَّفَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ. وَبِالثَّانِي: أَبُو سُفْيَانَ. وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ قِصَّةِ نُعَيْمٍ وَذَكَرَهَا الْمُفَسِّرُونَ مُطَوَّلَةً،

وَفِيهَا: أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ جَعَلَ لَهُ جُعْلًا عَلَى تَثْبِيطِ الصَّحَابَةِ عَنْ بَدْرٍ الصُّغْرَى وَذَلِكَ عَشْرَةٌ مِنَ الْإِبِلِ ضَمِنَهَا لَهُ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، فَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَفْزَعَ النَّاسَ وَخَوَّفَهُمُ اللِّقَاءَ، فَقَالَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَخْرُجَنَّ وَلَوْ وَحْدِي» فَأَمَّا الْجَبَانُ فَرَجَعَ، وَأَمَّا الشُّجَاعُ فَتَجَهَّزَ لِلْقِتَالِ وَقَالَ: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ

، فَوَافَى بَدْرًا الصُّغْرَى فَجَعَلُوا يَلْقَوْنَ الْمُشْرِكِينَ وَيَسْأَلُونَهُمْ عَنْ قُرَيْشٍ فَيَقُولُونَ: قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ، وَكَانَتْ مَوْضِعَ سُوقٍ لَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَجْتَمِعُونَ إِلَيْهَا فِي كُلِّ عَامٍ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ، فَأَقَامَ بِبَدْرٍ يَنْتَظِرُ أَبَا سُفْيَانَ، وَقَدِ انْصَرَفَ أَبُو سُفْيَانَ مِنْ مَجَنَّةَ إِلَى مَكَّةَ، فَسَمَّى أَهْلُ مَكَّةَ حَبْسَةَ جَيْشِ السَّوِيقِ قَالُوا: إِنَّمَا خَرَجْتُمْ لِتَشْرَبُوا السَّوِيقَ. وَكَانَتْ مَعَ الصَّحَابَةِ تِجَارَاتٌ وَنَفَقَاتٌ، فَبَاعُوا وَأَصَابُوا لِلدِّرْهَمِ دِرْهَمَيْنِ، وَانْصَرَفُوا إِلَى الْمَدِينَةِ غَانِمِينَ، وَحَسَبَهَا الرَّسُولُ لَهُمْ غَزْوَةً، وَظَفِرَ فِي وُجْهَةِ ذَلِكَ بِمُعَاوِيَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْعَاصِ وَأَبِي غزة الْجُمَحِيِّ فَقَتَلَهُمَا. فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الْمُثَبِّطَ أَبُو نُعَيْمٍ وَحْدَهُ، وَأَطْلَقَ عَلَيْهِ النَّاسُ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ، لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ النَّاسِ كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ يَرْكَبُ الْخَيْلَ، وَيَلْبَسُ الْبُرُودَ، وَمَا لَهُ إِلَّا فَرَسٌ وَاحِدٌ، وَبُرْدٌ وَاحِدٌ، قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. وَقَالَ أَيْضًا: وَلِأَنَّهُ حِينَ قَالَ ذَلِكَ لَمْ يَخْلُ مِنْ نَاسٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يُضَامُّونَهُ وَيَصِلُونَ جَنَاحَ كَلَامِهِ، وَيُثَبَّطُونَ مِثْلَ تَثْبِيطِهِ انْتَهَى. وَلَا يَجِيءُ هَذَا عَلَى تَقْدِيرِ السُّؤَالِ وَهُوَ: أَنْ نُعَيْمًا وَحْدَهُ هُوَ الْمُثَبِّطُ، لِأَنَّهُ قَدِ انْضَافَ إِلَيْهِ نَاسٌ، فَلَا يَكُونُ إِذْ ذَاكَ مُنْفَرِدًا بِالتَّثْبِيطِ.

وَقِيلَ: النَّاسُ الْأُوَلُ رَكْبٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ مَرُّوا عَلَى أَبِي سُفْيَانَ يُرِيدُونَ الْمَدِينَةَ لِلْمِيرَةِ، فَجَعَلَ لَهُمْ جُعْلًا وَهُوَ حِمْلُ إِبِلِهِمْ زَبِيبًا عَلَى أَنْ يُخْبِرُوا أَنَّهُ جَمَعَ لِيَسْتَأْصِلَ بَقِيَّةَ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَخْبَرُوا بِذَلِكَ، فَقَالَ الرَّسُولُ وَأَصْحَابُهُ وَهُمْ إِذْ ذَاكَ بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وَالنَّاسُ الثَّانِي قُرَيْشٌ، وَهَذَا الْقَوْلُ أَقْرَبُ إِلَى مَدْلُولِ اللَّفْظِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>