تَطْوِيلٌ شَبِيهٌ بِالْخَطَابَةِ. قِيلَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِبْشَارُ لِمَنْ خَلَّفُوهُ بَعْدَهُمْ مِنَ المؤمنين لما عاينوا منزلتهم عِنْدَ اللَّهِ.
الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ قِيلَ: الِاسْتِجَابَةُ كَانَتْ أَثَرَ الِانْصِرَافِ مِنْ أُحُدٍ. اسْتَنْفَرَ الرَّسُولُ لِطَلَبِ الْكُفَّارِ، فَاسْتَجَابَ لَهُ تِسْعُونَ. وَذَلِكَ لَمَّا ذُكِرَ لِلرَّسُولِ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ، فَأَبَى الرَّسُولُ إِلَّا أَنْ يَطْلُبَهُمْ، فَسَبَقَهُ أَبُو سُفْيَانَ وَدَخَلَ مَكَّةَ فَنَزَلَتْ، قَالَهُ: عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ. وَفِي ذِكْرِ هَذَا السَّبَبِ اخْتِلَافٌ فِي مَوَاضِعَ. وَقِيلَ: الِاسْتِجَابَةُ كَانَتْ مِنَ الْعَامِ الْقَابِلِ بَعْدَ قِصَّةِ أُحُدٍ، حَيْثُ تَوَاعَدَ أَبُو سُفْيَانَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْسِمَ بَدْرٍ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ خَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ فَأُرْعِبَ، وَبَدَا لَهُ الرُّجُوعُ وَقَالَ لِنُعَيْمِ بْنِ مَسْعُودٍ: وَاعَدْتُ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ أَنْ نَلْتَقِيَ بِمَوْسِمِ بَدْرٍ الصُّغْرَى، وَهُوَ عَامُ جَدْبٍ لَا يَصْلُحُ لنا، فثبطتهم عَنَّا وَأَعْلِمْهُمْ أَنَّا فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ فَفَعَلَ، وَخَوَّفَهُمْ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَصْحَابِهِ وَأَقَامُوا بِبَدْرٍ يَنْتَظِرُونَ أَبَا سُفْيَانَ فَنَزَلَتْ. قَالَ مَعْنَاهُ:
مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ.
وَقِيلَ: لَمَّا كَانَ الثَّانِي مِنْ أُحُدٍ وَهُوَ يَوْمُ الْأَحَدِ، نَادَى رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ بِاتِّبَاعِ الْمُشْرِكِينَ، وَقَالَ: «لَا يَخْرُجَنَّ مَعَنَا إِلَّا مَنْ شَاهَدَنَا بِالْأَمْسِ» وَكَانَتْ بِالنَّاسِ جِرَاحَةٌ وَقَرْحٌ عَظِيمٌ، وَلَكِنْ تَجَلَّدُوا، وَنَهَضَ مَعَهُ مِائَتَا رَجُلٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى بَلَغَ حَمْرَاءَ الْأَسَدِ وَهِيَ: عَلَى ثَمَانِيَةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ وَأَقَامَ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَجَرَتْ قِصَّةُ مَعْبَدِ بْنِ أَبِي مَعْبَدٍ، وَقَدْ ذُكِرَتْ وَمَرَّتْ قُرَيْشٌ، فَانْصَرَفَ الرَّسُولُ إِلَى الْمَدِينَةِ فَنَزَلَتْ.
وَرُوِيَ أَنَّهُ خَرَجَ أَخَوَانِ وَبِهِمَا جِرَاحَةٌ شَدِيدَةٌ، وَضَعُفَ أَحَدُهُمَا فَكَانَ أَخُوهُ يَحْمِلُهُ عُقْبَةً وَيَمْشِي هُوَ عُقْبَةً، وَلَمَّا لَمْ تَتِمَّ اسْتِجَابَةُ الْعَبْدِ لِلَّهِ إِلَّا بِاسْتِجَابَتِهِ لِلرَّسُولِ جَمَعَ بَيْنِهِمَا
، لِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ. قِيلَ: وَالِاسْتِجَابَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ، فَإِنَّهُمَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى اللَّهِ بِالتَّوْحِيدِ وَالْعِبَادَةِ، وَلِلرَّسُولِ بِتَلَقِّي الرِّسَالَةِ مِنْهُ وَالنَّصِيحَةِ لَهُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا اسْتِجَابَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ إِجَابَتُهُمْ لَهُ حِينَ انْتَدَبَهُمْ لِاتِّبَاعِ الْكُفَّارِ عَلَى مَا نُقِلَ فِي سَبَبِ النُّزُولِ. وَالْإِحْسَانُ هُنَا مَا هُوَ زَائِدٌ عَلَى الْإِيمَانِ مِنَ الِاتِّصَافِ بِمَا يُسْتَحَبُّ مَعَ الِاتِّصَافِ بِمَا يَجِبُ.
وَالظَّاهِرُ إِعْرَابُ الَّذِينَ مُبْتَدَأً، وَالْجُمْلَةُ بَعْدَهُ الْخَبَرُ. وَجَوَّزُوا الْإِتْبَاعَ نَعْتًا، أَوْ بَدَلًا، وَالْقَطْعَ إِلَى الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ. وَمَنْ فِي مِنْهُمْ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لِلتَّبْيِينِ مِثْلَهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً «١» لِأَنَّ الذين استجابوا
(١) سورة الحجرات: ٤٩/ ٢٩.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute