ابن عباس، وعطاء، والشعبي. وعن ابن عمر وعروة بْنِ الزُّبَيْرِ وَجَمَاعَةٍ أَنَّهُمْ خَرَجُوا يَوْمَ الْعِيدِ إِلَى المصلى فجعلوا يذكروا اللَّهَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قِيَامًا وَقُعُودًا؟
فَقَامُوا يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَلَى أَقْدَامِهِمْ.
وَرُوِيَ فِي الْحَدِيثِ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْتَعَ فِي رِيَاضِ الْجَنَّةِ فَلْيُكْثِرْ ذِكْرَ اللَّهِ»
وَإِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالذِّكْرِ هُوَ الظَّاهِرُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. ذَهَبَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَالْجُمْهُورُ: وَالذِّكْرُ مِنْ أَعْظَمِ الْعِبَادَاتِ، وَالْأَحَادِيثُ فِيهِ كَثِيرَةٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٌ: الْمُرَادُ بِالذِّكْرِ الصَّلَوَاتُ، فَفِي حَالِ الْعُذْرِ يُصَلُّونَهَا قُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ، وَسَمَّاهَا ذِكْرًا لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الذِّكْرِ. وَقِيلَ:
الْمُرَادُ بِالذِّكْرِ صَلَاةُ النَّفْلِ يُصَلِّيهَا كَيْفَ شَاءَ. وَجَلَبَ الْمُفَسِّرُونَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَشْيَاءَ مِنْ كَيْفِيَّةِ إِيقَاعِ الصَّلَاةِ فِي الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَالِاضْطِجَاعِ، وَخِلَافِ الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ، وَدَلَائِلِهِمْ.
وَذَلِكَ مُقَرَّرٌ فِي عِلْمِ الْفِقْهِ. وَعَلَى الظَّاهِرِ مِنْ تَفْسِيرِ الذِّكْرِ فَتَقْدِيمُ الْقِيَامِ، لِأَنَّ الذِّكْرَ فِيهِ أَخَفُّ عَلَى الْإِنْسَانِ، ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى حَالَةِ الْقُعُودِ وَالذِّكْرُ فِيهِ أَشَقُّ مِنْهُ فِي حَالَةِ الْقِيَامِ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَقْعُدُ غَالِبًا إِلَّا لِشُغْلٍ يَشْتَغِلُ بِهِ مِنْ صِنَاعَةٍ أَوْ غَيْرِهَا. ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى هَيْئَةِ الِاضْطِجَاعِ وَالذِّكْرُ فِيهَا أَشَقُّ مِنْهُ فِي هَيْئَةِ الْقُعُودِ، لِأَنَّ الِاضْطِجَاعَ هُوَ هَيْئَةُ اسْتِرَاحَةٍ وَفَرَاغٍ عَنِ الشَّوَاغِلِ. وَيُمْكِنُ فِي هَذِهِ الْهَيْئَاتِ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيمُ لِمَا هُوَ أقصر زمانا، فبدىء بِالْقِيَامِ لِأَنَّهَا هَيْئَةٌ زَمَانُهَا فِي الْغَالِبِ أَقْصَرُ مِنْ زَمَانِ الْقُعُودِ، ثُمَّ بِالْقُعُودِ إِذْ زَمَانُهُ أَطْوَلُ، وَبِالِاضْطِجَاعِ إِذْ زَمَانُهُ أَطْوَلُ مِنْ زَمَانِ الْقُعُودِ. أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّيْلَ جَمِيعَهُ هُوَ زَمَانُ الِاضْطِجَاعِ، وَهُوَ مُقَابِلٌ لِزَمَانِ الْقُعُودِ وَالْقِيَامِ، وَهُوَ النَّهَارُ؟ وَأَمَّا إِذَا كَانَ الذِّكْرُ يُرَادُ بِهِ الصَّلَاةُ الْمَفْرُوضَةُ، فَالْهَيْئَاتُ جَاءَتْ عَلَى سَبِيلِ النُّدْرَةِ. فَمَنْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ لَا يُصَلِّي قَاعِدًا، وَمَنْ قَدَرَ عَلَى الْقُعُودِ لَا يُصَلِّي مُضْطَجِعًا، وَأَمَّا إِذَا كَانَ يُرَادُ بِهِ صَلَاةُ النَّفْلِ فَالْهَيْئَاتُ عَلَى سَبِيلِ الْأَفْضَلِيَّةِ، إِذِ الْأَفْضَلُ التَّنَفُّلُ قَائِمًا ثُمَّ قَاعِدًا ثُمَّ مُضْطَجِعًا. وَأَبْعَدُ فِي التَّفْسِيرِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْمَعْنَى:
يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا بِأَوَامِرِهِ، وَقُعُودًا عَنْ زَوَاجِرِهِ، وَعَلَى جُنُوبِهِمْ أَيْ تَجَانُبُهُمْ مُخَالَفَةَ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ. وَهَذَا شَبِيهٌ بِكَلَامِ أَرْبَابِ الْقُلُوبِ، وَقَرِيبٌ مِنَ الْبَاطِنِيَّةِ.
وَجَوَّزُوا فِي الَّذِينَ النَّعْتَ وَالْقَطْعَ لِلرَّفْعِ وَالنَّصْبَ، وَعَلَى جُنُوبِهِمْ حَالٌ مَعْطُوفَةٌ عَلَى حَالٍ، وَهُنَا عَطَفَ الْمَجْرُورَ عَلَى صَرِيحِ الِاسْمِ. وَفِي قَوْلِهِ: دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا عَطَفَ صَرِيحَ الِاسْمِ عَلَى الْمَجْرُورِ.
وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الصِّلَةِ، فَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute