للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُقَالُ: أَخْزَيْتُهُ أَلْزَمْتُهُ حُجَّةً أَذْلَلْتُهُ مَعَهَا. وَقَالَ أَنَسٌ وسعيد، وقتادة، وَمُقَاتِلٌ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَغَيْرُهُمْ: هِيَ إِشَارَةٌ إِلَى مَنْ يَخْلُدُ فِي النَّارِ، أَمَّا مَنْ يَخْرُجُ مِنْهَا بِالشَّفَاعَةِ وَالْإِيمَانِ فَلَيْسَ بِمَخْزِيٍّ. وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ الله وَغَيْرُهُ: كُلُّ مَنْ دَخَلَ النَّارَ فَهُوَ مَخْزِيٌّ وَإِنْ خَرَجَ مِنْهَا، وَإِنَّ فِي دُونِ ذَلِكَ لَخِزْيًا، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ وَأَبُو سُلَيْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ.

وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ هُوَ مِنْ قَوْلِ الدَّاعِينَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الظَّالِمُونَ هُنَا هُمُ الْكَافِرُونَ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْمُفَسِّرِينَ. وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي قَوْلِهِ: وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ «١» وَقَوْلِهِ: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ «٢» وَيُنَاسِبُ هَذَا التَّفْسِيرَ أَنْ يَكُونَ مَا قَبْلَهُ فِيمَنْ يَخْلُدُ فِي النَّارِ، لِأَنَّ نَفْيَ النَّاصِرِ إِمَّا بِمَنْعٍ أَوْ شَفَاعَةِ مُخْتَصٌّ بِالْكُفَّارِ، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَاللَّهُ نَاصِرُهُ وَالرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَافِعُهُ،

وَبَعْضُ الْمُؤْمِنِينَ يَشْفَعُ لِبَعْضٍ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَمَا لِلظَّالِمِينَ اللَّامُ إِشَارَةٌ إِلَى مَنْ يَدْخُلُ النَّارَ، وَإِعْلَامٌ بِأَنَّ مَنْ يَدْخُلُ النَّارَ، فَلَا نَاصِرَ لَهُ بِشَفَاعَةٍ وَلَا غَيْرِهَا انْتَهَى. وَهُوَ عَلَى طَرِيقَةِ الِاعْتِزَالِ أَنَّ مَنْ يَدْخُلُ النَّارَ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا أَبَدًا، سَوَاءٌ كَانَ كَافِرًا أَمْ فاسقا، ومن مَفْعُولَةٌ لِفِعْلِ الشَّرْطِ. وَحَكَى بَعْضُ الْمُعْرِبِينَ مَا نَصُّهُ، وَأَجَازَ قَوْمٌ أَنْ يَكُونَ مَنْ مَنْصُوبًا بِفِعْلٍ دَلَّ عَلَيْهِ جَوَابُ الشَّرْطِ وَهُوَ: فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ.

وَأَجَازَ آخَرُونَ أَنْ يَكُونَ مَنْ مُبْتَدَأً، وَالشَّرْطُ وَجَوَابُهُ الْخَبَرَ انْتَهَى. أَمَّا الْقَوْلُ الْأَوَّلُ فَصَادِرٌ عَنْ جَاهِلٍ بِعِلْمِ النَّحْوِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَإِعْرَابُ مَنْ مُبْتَدَأً فِي غَايَةِ الضَّعْفِ. وَأَمَّا إِدْخَالُهُ جَوَابَ الشَّرْطِ فِي الْخَبَرِ مَعَ فِعْلِ الشَّرْطِ فَجَهَالَةٌ. وَمَنْ أَعْظَمُ وِزْرًا مِمَّنْ تَكَلَّمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ.

رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا سَمِعَ إِنْ دَخَلَ عَلَى مَسْمُوعٍ تَعَدَّى لِوَاحِدٍ نَحْوُ: سَمِعْتُ كَلَامَ زِيدٍ، كَغَيْرِهِ مِنْ أَفْعَالِ الْحَوَاسِّ. وَإِنْ دَخَلَ عَلَى ذَاتٍ وَجَاءَ بَعْدَهُ فِعْلٌ أَوِ اسْمٌ فِي مَعْنَاهُ نَحْوُ: سَمِعْتُ زَيْدًا يَتَكَلَّمُ، وَسَمِعْتُ زَيْدًا يَقُولُ كَذَا، فَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ. مِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ أَوِ الِاسْمَ إِنْ كَانَ قَبْلَهُ نَكِرَةٌ كَانَ صِفَةً لَهَا، أَوْ مَعْرِفَةٌ كَانَ حَالًا مِنْهَا. وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ أَوِ الِاسْمَ هُوَ فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي لِسَمِعَ، وَجَعَلَ سَمِعَ مِمَّا يُعَدَّى إِلَى وَاحِدٍ إِنْ دَخَلَ عَلَى مَسْمُوعٍ، وَإِلَى اثْنَيْنِ إِنْ دَخَلَ عَلَى ذَاتٍ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ. وَالصَّحِيحُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ، وَهَذَا مُقَرَّرٌ فِي عِلْمِ النَّحْوِ. فَعَلَى هَذَا يَكُونُ يُنَادِي فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِأَنَّ قَبْلَهُ نَكِرَةً، وَعَلَى


(١) سورة البقرة: ٢/ ٢٥٤.
(٢) سورة لقمان: ٣١/ ١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>