للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَالْبِنْتَانِ لَهُمَا الثُّلُثَانِ، وَالضَّمِيرُ فِي مِنْهُمَا الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَعُودُ عَلَى أَخٌ أَوْ أُخْتٌ. وَعَلَى مَا جَوَّزَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ يَعُودُ عَلَى أَحَدِ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وَأَحَدِ أَخٍ وَأُخْتٍ، وَلَوْ مَاتَتْ عَنْ زَوْجٍ وَأُمٍّ وَأَشِقَّاءَ فَلَهُ النِّصْفُ وَلَهُمَا السُّدُسُ، وَلَهُمُ الْبَاقِي أو لأم فَلَهُمُ الثُّلُثُ. أَوْ أَخَوَيْنِ لِأُمٍّ أَشِقَّاءَ فَهَذِهِ الْحَمَّادِيَّةُ. فَهَلْ يَشْتَرِكُ الْجَمِيعُ فِي الثُّلُثِ، أَمْ يَنْفَرِدُ بِهِ الْأَخَوَانِ لِأُمٍّ؟ قَوْلَانِ، قَالَ بِالتَّشْرِيكِ عُمَرُ فِي آخِرِ قَضَائِهِ، وَابْنُ مَسْعُودٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ. وَقَالَ بِالِانْفِرَادِ: عَلِيٌّ وأبو موسى، وأبي، وَابْنُ عَبَّاسٍ.

فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ الْإِشَارَةُ بِذَلِكَ إِلَى أَخٍ أَوْ أُخْتٍ، أَيْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ. لِأَنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ بِأَنَّ لَهُ السُّدُسَ هُوَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَخِ وَالْأُخْتِ فَهُوَ وَاحِدٌ، وَلَمْ يُحْكَمْ عَلَى الِاثْنَيْنِ بِأَنَّ لَهُمَا جَمِيعًا السُّدُسَ، فَتَصِحُّ الْأَكْثَرِيَّةُ فِيمَا أُشِيرَ إِلَيْهِ وَهُوَ ذَلِكَ، بَلِ الْمَعْنَى هُنَا بِأَكْثَرَ يَعْنِي: فَإِنْ كَانَ مَنْ يَرِثُ زَائِدًا عَلَى ذَلِكَ أَيْ: عَلَى الْوَاحِدِ، لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ هَذَا أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ إِلَّا بِهَذَا الْمَعْنَى، لِتَنَافِي مَعْنَى كَثِيرٍ وَوَاحِدٍ، إِذِ الْوَاحِدُ لَا كَثْرَةَ فِيهِ. وَفِي قَوْلِهِ: فإن كانوا، وفهم شُرَكَاءُ غَلَبَ ضَمِيرُ الْمُذَكَّرِ، وَلِذَلِكَ جَاءَ بِالْوَاوِ وَبِلَفْظِ، فَهُمْ هَذَا كُلُّهُ عَلَى مَا قُرِّرَتْ فِيهِ الْأَحْكَامُ. وَظَاهِرُ الْآيَةِ: أَنَّهُ إِذَا تَرَكَ أَخًا أَوْ أُخْتًا، أَيْ أَحَدَ هَذَيْنِ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ أَوْ أَكْثَرُ اشْتَرَكُوا فِي الثُّلُثِ، أَمَّا إِذَا تَرَكَ اثْنَيْنِ مِنْ أَخٍ أَوْ أُخْتٍ، فَلَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ظَاهِرُ الْآيَةِ.

مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ الضَّمِيرُ فِي يُوصَى عَائِدٌ عَلَى رَجُلٌ، كَمَا عَادَ عَلَيْهِ فِي: وَلَهُ أَخٌ. وَيُقَوِّي عَوْدَ الضَّمِيرِ عَلَيْهِ أَنَّهُ هُوَ الْمَوْرُوثُ لَا الْوَارِثُ، لِأَنَّ الَّذِي يُوصِي أَوْ يَكُونُ عَلَيْهِ الدَّيْنُ هُوَ الْمَوْرُوثَ لَا الْوَارِثَ. وَمَنْ فَسَّرَ قَوْلَهُ:

وَإِنْ كانَ رَجُلٌ «١» أَنَّهُ هُوَ الْوَارِثُ لَا الْمَوْرُوثُ، جَعَلَ الْفَاعِلَ فِي يُوصَى عَائِدًا عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ المعنى من الْوَارِثِ. كَمَا دَلَّ الْمَعْنَى عَلَى الْفَاعِلِ فِي قَوْلِهِ: فَلَهُنَّ ثُلُثا مَا تَرَكَ «٢» لِأَنَّهُ عُلِمَ أَنَّ الْمُوصِيَ وَالتَّارِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا الْمَوْرُوثَ، لَا الْوَارِثَ. وَالْمُرَادُ: غَيْرُ مُضَارٍّ، وَرَثَتَهُ بِوَصِيَّتِهِ أَوْ دَيْنِهِ. وَوُجُوهُ الْمُضَارَّةِ كَثِيرَةٌ: كَأَنْ يُوصِيَ بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ، أَوْ لِوَارِثِهِ، أَوْ بِالثُّلُثِ، أَوْ يُحَابِيَ بِهِ، أَوْ يَهَبَهُ، أَوْ يَصْرِفَهُ إِلَى وُجُوهِ الْقُرْبِ مِنْ عِتْقٍ وَشِبْهِهِ فِرَارًا عَنْ وَارِثٍ مُحْتَاجٍ، أَوْ يُقِرَّ بِدَيْنٍ لَيْسَ عَلَيْهِ. وَمَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ مَا دَامَ فِي الثُّلُثِ لَا يُعَدُّ مُضَارًّا، وَيَنْبَغِي اعْتِبَارُ هَذَا الْقَيْدِ وَهُوَ انْتِفَاءُ الضَّرَرِ فِيمَا تَقَدَّمَ من ذكر قوله:


(١) سورة النساء: ٤/ ١٢.
(٢) سورة النساء: ٤/ ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>