للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انْتَهَى. وَظَاهِرُ اسْتِعْمَالِ النِّسَاءِ مُضَافَةً لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الزَّوْجَاتِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ «١» وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ «٢» وَكَوْنِ الْمُرَادِ الزَّوْجَاتِ وَأَنَّ الْآيَةَ فِيهِمْ، هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ.

وَأَمَرَ تَعَالَى بِاسْتِشْهَادِ أَرْبَعَةٍ تَغْلِيظًا عَلَى الْمُدَّعِي، وَسَتْرًا لِهَذِهِ الْمَعْصِيَةِ. وَقِيلَ:

يَتَرَتَّبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ شَاهِدَانِ. وَقَوْلُهُ: عَلَيْهِنَّ، أَيْ عَلَى إِتْيَانِهِنَّ الْفَاحِشَةَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالذُّكُورِ الْمُؤْمِنِينَ لِقَوْلِهِ: أَرْبَعَةً مِنْكُمْ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ الِاسْتِشْهَادُ لِمُعَايَنَةِ الزِّنَا. وَإِنْ تَعَمَّدَ النَّظَرِ إِلَى الْفَرْجِ لَا يَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ لِأَجْلِ الزِّنَا.

وَإِعْرَابُ اللَّاتِي مُبْتَدَأٌ، وَخَبَرُهُ فَاسْتَشْهِدُوا. وَجَازَ دُخُولُ الْفَاءِ فِي الْخَبَرِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ زَيْدٌ فَاضْرِبْهُ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرِ، لِأَنَّ الْمُبْتَدَأَ مَوْصُولٌ بِفِعْلٍ مُسْتَحِقٍّ بِهِ الْخَبَرَ، وَهُوَ مُسْتَوْفٍ شُرُوطَ مَا تَدْخُلُ الْفَاءُ فِي خَبَرِهِ، فَأُجْرِيَ الْمَوْصُولُ لِذَلِكَ مَجْرَى اسْمِ الشَّرْطِ. وَإِذْ قَدْ أُجْرِيَ مَجْرَاهُ بِدُخُولِ الْفَاءِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْتَصِبَ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ يُفَسِّرُهُ فَاسْتَشْهِدُوا، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الِاشْتِغَالِ، لِأَنَّ فَاسْتَشْهِدُوا لَا يَصِحُّ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ لِجَرَيَانِهِ مَجْرَى اسْمِ الشَّرْطِ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُفَسَّرَ هَكَذَا. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَأَجَازَ قَوْمٌ النَّصْبَ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: اقْصِدُوا اللَّاتِي. وَقِيلَ: خَبَرُ اللَّاتِي مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: فِيمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ حُكْمُ اللَّاتِي يَأْتِينَ، كَقَوْلِ سِيبَوَيْهِ فِي قَوْلِهِ: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ «٣» وَفِي قَوْلِهِ: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي «٤» وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلَهُ سِيبَوَيْهِ. وَيَتَعَلَّقُ مِنْ نِسَائِكُمْ بِمَحْذُوفٍ، لِأَنَّهُ فِي مَوْضِعِ حَالٌ مِنَ الْفَاعِلِ فِي: يَأْتِينَ، تَقْدِيرُهُ: كَائِنَاتٍ مِنْ نسائكم. ومنكم يُحْتَمَلُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ: فَاسْتَشْهِدُوا، أَوْ بِمَحْذُوفٍ فَيَكُونُ صِفَةً لأربعة، أَيْ: كَائِنِينَ مِنْكُمْ.

فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا أَيْ: فَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ مِنْكُمْ عَلَيْهِنَّ. وَالْمُخَاطَبُ بِهَذَا الْأَمْرِ: أَهُمُ الْأَزْوَاجُ أُمِرُوا بِذَلِكَ إِذَا بَدَتْ مِنَ الزَّوْجَةِ فَاحِشَةُ الزِّنَا، وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ عُقُوبَةً لَهُنَّ وَكَانَتْ مِنْ جِنْسِ جَرِيمَتِهِنَّ؟ أَمِ الْأَوْلِيَاءُ إِذَا بَدَتْ مِمَّنْ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ وِلَايَةٌ وَنَظَرٌ يُحْبَسْنَ حَتَّى يَمُتْنَ؟ أَوْ أولوا الْأَمْرِ مِنَ الْوُلَاةِ وَالْقُضَاةِ إِذْ هُمُ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الْحُدُودَ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْفَوَاحِشِ؟ أَقْوَالٌ ثَلَاثَةٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِمْسَاكَ فِي الْبُيُوتِ إِلَى الْغَايَةِ الْمَذْكُورَةِ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْحَدِّ لَهُنَّ، وَأَنَّ حدهن كان ذلك


(١) سورة البقرة: ٢/ ٢٢٦.
(٢) سورة المجادلة: ٥٨/ ٢.
(٣) سورة المائدة: ٥/ ٣٨.
(٤) سورة النور: ٢٤/ ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>