هَذَا تَخْصِيصًا لْعُمُومِ قَوْلِهِ: وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ «١» فَيَكُونُ تَخْصِيصًا فِي النَّاكِحِ بِشَرْطِ أن لا يَجِدَ طَوْلَ الْحُرَّةِ وَيَخَافَ الْعَنَتَ، وَتَخْصِيصًا فِي إِمَائِكُمْ بِقَوْلِهِ: مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ، وَتَخْصِيصُ جَوَازِ نِكَاحِ الْإِمَاءِ بِالْمُؤْمِنَاتِ لِغَيْرِ وَاجِدِ طَوْلِ الْحُرَّةِ، هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْحِجَازِ. فَلَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ، وَبِهِ قال:
الأوزاعي، والليث، ومالك، وَالشَّافِعِيُّ. وَذَهَبَ الْعِرَاقِيُّونَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَزُفَرُ ومحمد والحسن بن زياد وَالثَّوْرِيُّ وَمِنَ التَّابِعِينَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ إِلَى جَوَازِ ذَلِكَ. وَنِكَاحُ الْأَمَةِ الْمُؤْمِنَةِ أَفْضَلُ، فَحَمَلُوهُ عَلَى الْفَضْلِ لَا عَلَى الْوُجُوبِ. وَاسْتَدَلُّوا عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ لَيْسَ بِشَرْطٍ بِكَوْنِهِ وُصِفَ بِهِ الْحَرَائِرُ فِي قَوْلِهِ: أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ، وَلَيْسَ بِشَرْطٍ فِيهِنَّ اتِّفَاقًا، لَكِنَّهُ أَفْضَلُ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَسَّعَ اللَّهُ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ بِنِكَاحِ الْأَمَةِ، وَالْيَهُودِيَّةِ، وَالنَّصْرَانِيَّةِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا كَثِيرًا: رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وجابر، وابن جبير، والشعبي، ومكحول: لَا يَتَزَوَّجُ الْأَمَةَ إِلَّا مَنْ لَا يَجِدُ طَوْلًا لِلْحُرَّةِ، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ.
وَرُوِيَ عَنِ مَسْرُوقٍ، والشعبي: أَنَّ نِكَاحَهَا بِمَنْزِلَةِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ، يَعْنِي: أَنَّهُ يُبَاحُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ.
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَأَبِي جعفر، ومجاهد، وابن المسيب، وابراهيم، والحسن، والزهري: أَنَّ لَهُ نِكَاحَهَا، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا.
وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٌ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ: أَنَّهُ يَتَزَوَّجُهَا إِنْ خَشِيَ أَنْ يَزْنِيَ بِهَا، وَلَوْ كَانَ تَحْتَهُ حرة. فقال عَطَاءٌ: يَتَزَوَّجُ الْأَمَةَ عَلَى الْحُرَّةِ.
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَا يَتَزَوَّجُهَا عَلَيْهَا إِلَّا المملوك.
وَقَالَ عُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ المسيب، ومكحول فِي آخَرِينَ: لَا يَتَزَوَّجُهَا عَلَيْهَا.
وَهَذَا الَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ، لِأَنَّ الْقُرْآنَ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْكِحُ الْأَمَةَ إِلَّا مَنْ لَا يَجِدُ طَوْلًا لِلْحُرَّةِ. فَإِذَا كَانَتْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ، فَبِالْأَوْلَى أَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ، لِأَنَّ وِجْدَانَ الطَّوْلِ لِلْحُرَّةِ إِنَّمَا هُوَ سَبَبٌ لِتَحْصِيلِهَا، فَإِذَا كَانَتْ حَاصِلَةً كَانَ أَوْلَى بِالْمَنْعِ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: يَتَزَوَّجُ الْأَمَةَ عَلَى الْحُرَّةِ إِنْ كَانَ لَهُ مِنَ الْأَمَةِ وَلَدٌ. وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ:
لَا يَنْكِحُهَا عَلَيْهَا إِلَّا أَنْ تَشَاءَ الْحُرَّةُ، وَيَقْسِمُ لِلْحُرَّةِ يَوْمَيْنِ، وَلِلْأَمَةِ يَوْمًا وَظَاهِرُ قوله: فمما مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، جَوَازُ نِكَاحِ عَادِمِ طَوْلِ الْحُرَّةِ الْمُؤْمِنَةِ أَرْبَعًا مِنَ الْإِمَاءِ إِنْ شَاءَ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ لَا يَتَزَوَّجُ مِنَ الْإِمَاءِ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ شَرْطًا فِي الْأَمَةِ الْإِيمَانُ فظاهر قوله: فمما مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ، أَنَّهُ لَوْ كَانَتِ الْكِتَابِيَّةُ مَوْلَاهَا كَافِرٌ لَمْ يَجُزْ
(١) سورة النور: ٢٤/ ٣٢.