نِكَاحُهَا، لِأَنَّهُ خَاطَبَ بِقَوْلِهِ: فمما مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ، فَاخْتَصَّ بِفَتَيَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: جَوَازُ ذَلِكَ عَلَى كَرَاهَةٍ. وَإِذَا لَمْ يَكُنِ الْإِيمَانُ شَرْطًا فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ، فَالظَّاهِرُ جَوَازُ نِكَاحِ الْأَمَةِ الْكَافِرَةِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانَتْ كِتَابِيَّةً، أَوْ مَجُوسِيَّةً، أَوْ وَثَنِيَّةً، أَمْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْكُفَّارِ.
وَأَجْمَعُوا عَلَى تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْأَمَةِ الْكَافِرَةِ غَيْرِ الْكِتَابِيَّةِ: كَالْمَجُوسِيَّةِ، وَالْوَثَنِيَّةِ، وَغَيْرِهِمَا. وَأَمَّا وَطْءُ الْمَجُوسِيَّةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَأَجَازَهُ: طاوس، وعطاء، وَمُجَاهِدٌ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ. وَدَلَّتْ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ ظَوَاهِرُ الْقُرْآنِ فِي عُمُومِ: مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، وَعُمُومِ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ «١» قَالُوا: وَهَذَا قَوْلٌ شَاذٌّ مَهْجُورٌ، لَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ. وَقَالُوا: لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى تُسْلِمَ. وَقَالُوا: إِنَّمَا كَانَ نِكَاحُ الْأَمَةِ مُنْحَطًّا عَنْ نِكَاحِ الْحُرَّةِ لِمَا فِيهِ مِنِ اتِّبَاعِ الْوَلَدِ لِأُمِّهِ فِي الرِّقِّ، وَلِثُبُوتِ حَقِّ سَيِّدِهَا فِيهَا، وَفِي اسْتِخْدَامِهَا، وَلِتَبَذُّلِهَا بِالْوُلُوجِ وَالْخُرُوجِ، وَفِي ذَلِكَ نُقْصَانُ نِكَاحِهَا وَمَهَانَتُهُ إِذْ رَضِيَ بِهَذَا كُلِّهِ، وَالْعِزَّةُ مِنْ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ.
ومن مُبْتَدَأٌ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ شَرْطٌ. والفاء في: فمما ملكت فاء الجواب، ومن تَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: فَلْيَنْكِحْ مِنْ مَا مَلَكَتْ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْ مَوْصُولَةً، وَيَكُونُ الْعَامِلُ الْمَحْذُوفُ الَّذِي يتعلق به قوله: مما مَلَكَتْ جُمْلَةً فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ. وَمُسَوِّغَاتُ دُخُولِ الْفَاءِ فِي خَبَرِ الْمُبْتَدَأِ مَوْجُودَةٌ هُنَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَفْعُولَ يستطع هو طولا، وأن يَنْكِحَ عَلَى هَذَا أَجَازُوا، فِيهِ أَنْ يَكُونَ أَصْلُهُ بِحَرْفِ جَرٍّ، فَمِنْهُمْ مَنْ قدره بإلى، وَمِنْهُمْ مَنْ قَدَّرَهُ بِاللَّامِ أَيْ:
طَوْلًا إِلَى أَنْ يَنْكِحَ، أَوْ لِأَنْ يَنْكِحَ، ثُمَّ حُذِفَ حَرْفُ الْجَرِّ، فَإِذَا قَدَّرَ إِلَى، كَانَ الْمَعْنَى: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ وَصَلَهُ إِلَى أَنْ يَنْكِحَ. وَإِذَا قُدِّرَ بِاللَّامِ، كَانَ فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ التَّقْدِيرُ: طَوْلًا أَيْ: مَهْرًا كَائِنًا لِنِكَاحِ الْمُحْصَنَاتِ. وَقِيلَ: اللَّامُ الْمُقَدَّرَةُ لَامُ الْمَفْعُولِ لَهُ أَيْ: طَوْلًا لِأَجْلِ نِكَاحِ الْمُحْصَنَاتِ، وَأَجَازُوا أَنْ يَكُونَ: أَنْ يَنْكِحَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ، وَنَاصِبُهُ طَوْلٌ. إِذْ جَعَلُوهُ مَصْدَرَ طُلْتُ الشَّيْءَ أَيْ نِلْتَهُ، قَالُوا: وَمِنْهُ قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ:
إِنَّ الْفَرَزْدَقَ صَخْرَةٌ عَادِيَّةٌ ... طَالَتْ فَلَيْسَ تنالها الأوعالا
أي طالت الْأَوْعَالَ أَيْ: وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ ومن لم يستطع منكم أَنْ يَنَالَ نِكَاحَ الْمُحْصَنَاتِ. وَيَكُونُ قَدْ أَعْمَلَ الْمَصْدَرَ الْمُنَوَّنَ فِي الْمَفْعُولِ بِهِ كقوله:
(١) سورة المؤمنون: ٢٣/ ٦.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute