للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُبُوتِ فَسْخِ النِّكَاحِ عِنْدَ الْإِعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ وَالْكُسْوَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُفْسَخُ لِقَوْلِهِ: وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ «١» .

فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الصَّالِحَاتُ الْمُحْسِنَاتُ لِأَزْوَاجِهِنَّ، لِأَنَّهُنَّ إِذَا أَحْسَنَّ لِأَزْوَاجِهِنَّ فَقَدْ صَلَحَ حَالُهُنَّ مَعَهُمْ. وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: الْمُعَامَلَاتُ بِالْخَيْرِ. وَقِيلَ: اللَّائِي أصلحن اللَّهُ لِأَزْوَاجِهِنَّ قَالَ تَعَالَى: وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ «٢» . وَقِيلَ: اللَّوَاتِي أَصْلَحْنَ أَقْوَالَهُنَّ وَأَفْعَالَهُنَّ. وقيل: الصلاة الدِّينُ هُنَا.

وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ مُتَقَارِبَةٌ. وَالْقَانِتَاتُ: الْمُطِيعَاتُ لِأَزْوَاجِهِنَّ، أَوْ لِلَّهِ تَعَالَى فِي حِفْظِ أَزْوَاجِهِنَّ، وَامْتِثَالِ أَمْرِهِمْ، أَوْ لِلَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ أَحْوَالِهِنَّ، أَوْ قَائِمَاتٌ بِمَا عَلَيْهِنَّ لِلْأَزْوَاجِ، أَوِ الْمُصَلِّيَاتُ، أَقْوَالٌ آخِرُهَا لِلزَّجَّاجِ. حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ: قَالَ عَطَاءٌ وقتادة: يَحْفَظْنَ مَا غَابَ عَنِ الْأَزْوَاجِ، وَمَا يَجِبُ لَهُنَّ من صيانة أنفسهن لهن، وَلَا يَتَحَدَّثْنَ بِمَا كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُنَّ.

وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: الْغَيْبُ، كُلُّ مَا غَابَ عَنْ عِلْمِ زَوْجِهَا مِمَّا اسْتَتَرَ عَنْهُ، وَذَلِكَ يَعُمُّ حَالَ غَيْبَةِ الزَّوْجِ، وَحَالَ حُضُورِهِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الْغَيْبُ خِلَافُ الشَّهَادَةِ، أَيْ حَافِظَاتٍ لِمَوَاجِبِ الْغَيْبِ إِذَا كَانَ الْأَزْوَاجُ غَيْرَ شَاهِدِينَ لَهُنَّ، حَفِظْنَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِنَّ حِفْظُهُ فِي حَالِ الْغَيْبَةِ مِنَ الزَّوْجِ وَالْبُيُوتِ وَالْأَمْوَالِ انْتَهَى. وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي الْغَيْبِ تُغْنِي عَنِ الضَّمِيرِ، وَالِاسْتِغْنَاءُ بِهَا كَثِيرٌ كَقَوْلِهِ: وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً «٣» أَيْ رَأْسِي. وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

لَمْيَاءُ فِي شَفَتَيْهَا حُوَّةٌ لَعَسٌ ... وَفِي اللِّثَاتِ وَفِي أَنْيَابِهَا شَنَبُ

تُرِيدُ: وَفِي لِثَاتِهَا.

وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خَيْرُ النِّسَاءِ امْرَأَةٌ إِذَا نَظَرْتَ إِلَيْهَا سَرَّتْكَ، وَإِذَا أَمَرْتَهَا أَطَاعَتْكَ، وَإِذَا غِبْتَ عَنْهَا حَفِظَتْكَ فِي مَالِهَا وَنَفْسِهَا، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: بِرَفْعِ الْجَلَالَةِ، فَالظَّاهِرُ أَنْ تَكُونَ مَا مَصْدَرِيَّةً، وَالتَّقْدِيرُ: بِحِفْظِ اللَّهِ إِيَّاهُنَّ. قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ. وَيَحْتَمِلُ هَذَا الْحِفْظُ وُجُوهًا أَيْ: يَحْفَظُ، أَيْ:

بِتَوْفِيقِهِ إِيَّاهُنَّ لِحِفْظِ الْغَيْبِ، أَوْ لِحِفْظِهِ إِيَّاهُنَّ حِينَ أَوْصَى بِهِنَّ الْأَزْوَاجَ فِي كِتَابِهِ وَأَمَرَ رَسُولُهُ،

فَقَالَ: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا»

أَوْ بِحِفْظِهِنَّ حِينَ وَعَدَهُنَّ الثَّوَابَ الْعَظِيمَ عَلَى حِفْظِ الْغَيْبِ، وَأَوْعَدَهُنَّ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ عَلَى الْخِيَانَةِ. وَجَوَّزُوا أَنْ تَكُونَ مَا بِمَعْنَى الَّذِي، والعائد


(١) سورة البقرة: ٢/ ٢٨٠.
(٢) سورة الأنبياء: ٢١/ ٩٠.
(٣) سورة مريم: ١٩/ ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>