عَلَى مَا مَحْذُوفٌ، وَالتَّقْدِيرُ: بِمَا حَفِظَهُ اللَّهُ لَهُنَّ مِنْ مُهُورِ أَزْوَاجِهِنَّ، وَالنَّفَقَةِ عَلَيْهِنَّ، قَالَهُ الزَّجَّاجُ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَيَكُونُ الْمَعْنَى إِمَّا حِفْظُ اللَّهِ وَرِعَايَتُهُ الَّتِي لَا يَتِمُّ أَمْرٌ دُونَهَا، وَإِمَّا أَوَامِرُهُ وَنَوَاهِيهِ لِلنِّسَاءِ، وَكَأَنَّهَا حِفْظُهُ، فَمَعْنَاهُ: أَنَّ النِّسَاءَ يَحْفَظْنَ بِإِزَاءِ ذَلِكَ وَبِقَدْرِهِ. وَأَجَازَ أَبُو الْبَقَاءِ أَنْ تَكُونَ مَا نَكِرَةً مَوْصُوفَةً.
وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ الْقَعْقَاعِ: بِنَصْبِ الْجَلَالَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا بِمَعْنَى الَّذِي، وَفِي حَفِظَ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى مَا مَرْفُوعٌ أَيْ: بِالطَّاعَةِ وَالْبِرِّ الَّذِي حَفِظَ اللَّهُ فِي امْتِثَالِ أَمْرِهِ. وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ بِالْأَمْرِ الَّذِي حَفِظَ حَقَّ اللَّهِ وَأَمَانَتَهُ، وَهُوَ التَّعَفُّفُ وَالتَّحَصُّنُ وَالشَّفَقَةُ عَلَى الرِّجَالِ وَالنَّصِيحَةُ لَهُمْ. وَقَدَّرَهُ ابْنُ جِنِّي: بِمَا حَفِظَ دِينَ اللَّهِ، أَوْ أَمْرَ اللَّهِ. وَحَذْفُ الْمُضَافِ مُتَعَيِّنٌ تَقْدِيرُهُ: لِأَنَّ الذَّاتَ الْمُقَدَّسَةَ لَا يُنْسَبُ إِلَيْهَا أَنَّهَا يَحْفَظُهَا أَحَدٌ. وَقِيلَ: مَا مَصْدَرِيَّةٌ، وَفِي حَفِظَ ضَمِيرٌ مَرْفُوعٌ تَقْدِيرُهُ: بِمَا حَفِظْنَ اللَّهَ، وَهُوَ عَائِدٌ عَلَى الصَّالِحَاتِ. قِيلَ: وَحُذِفَ ذَلِكَ الضَّمِيرُ، وَفِي حَذْفِهِ قُبْحٌ لَا يَجُوزُ إِلَّا فِي الشِّعْرِ كَمَا قَالَ: فَإِنَّ الْحَوَادِثَ أَوْدَى بِهَا.
يريد: أو دين بِهَا. وَالْمَعْنَى: يَحْفَظْنَ اللَّهَ في أمره حين امتثلنه. وَالْأَحْسَنُ فِي هَذَا أَنْ لَا يُقَالَ إِنَّهُ حَذَفَ الضَّمِيرَ، بَلْ يُقَالُ: إِنَّهُ عَادَ الضَّمِيرُ عَلَيْهِنَّ مُفْرَدًا، كَأَنَّهُ لُوحِظَ الْجِنْسُ، وَكَأَنَّ الصَّالِحَاتِ فِي مَعْنَى مَنْ صَلَحَ، وَهَذَا كُلُّهُ تَوْجِيهُ شُذُوذٍ أَدَّى إِلَيْهِ قَوْلُ مَنْ قَالَ فِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ: أَنْ مَا مَصْدَرِيَّةٌ. وَلَا حَاجَةَ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ، بَلْ يُنَزَّهُ الْقُرْآنُ عَنْهُ. وَفِي قِرَاءَةُ عَبْدِ اللَّهِ وَمُصْحَفُهُ: فَالصَّوَالِحُ قَوَانِتُ حَوَافِظُ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ، فَأَصْلِحُوا إِلَيْهِنَّ. وَيَنْبَغِي حَمْلُهَا عَلَى التَّفْسِيرِ لِأَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِسَوَادِ الْإِمَامِ، وَفِيهَا زِيَادَةٌ. وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ بِالنَّقْلِ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ قَرَأَ: وَأَقْرَأُ عَلَى رَسْمِ السَّوَادِ، فَلِذَلِكَ يَنْبَغِي أَنَّ تُحْمَلَ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ عَلَى التَّفْسِيرِ. قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَالتَّكْسِيرُ أَشْبَهُ بِالْمَعْنَى، إِذْ هُوَ يُعْطِي الْكَثْرَةَ وَهِيَ الْمَقْصُودَةُ هُنَا. وَمَعْنَى قَوْلِهِ:
فَأَصْلِحُوا إِلَيْهِنَّ أَيْ أَحْسِنُوا ضُمِّنَ أَصْلِحُوا مَعْنَى أَحْسِنُوا، وَلِذَلِكَ عَدَّاهُ بإلى.
رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ: «يَسْتَغْفِرُ لِلْمَرْأَةِ الْمُطِيعَةِ لِزَوْجِهَا الطَّيْرُ فِي الْهَوَاءِ، وَالْحِيتَانُ فِي الْبَحْرِ، وَالْمَلَائِكَةُ فِي السَّمَاءِ، وَالسِّبَاعُ فِي الْبَرَارِيِّ» . قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نِسَاءُ الدُّنْيَا أَفْضَلُ أَمِ الْحُورُ؟ فَقَالَ: نِسَاءُ الدُّنْيَا أَفْضَلُ مِنَ الْحُورِ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِمَ؟ قَالَ: بِصَلَاتِهِنَّ، وَصِيَامِهِنَّ، وَعِبَادَتِهِنَّ، وَطَاعَةِ أَزْوَاجِهِنَّ.
وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى صَالِحَاتِ الْأَزْوَاجِ وَأَنَّهُنَّ مِنَ الْمُطِيعَاتِ الْحَافِظَاتِ لِلْغَيْبِ، ذَكَرَ مُقَابِلَهُنَّ وَهُنَّ الْعَاصِيَاتُ لِلْأَزْوَاجِ. وَالْخَوْفُ هُنَا قِيلَ: مَعْنَاهُ الْيَقِينُ، ذَهَبَ فِي ذَلِكَ إِلَى أَنَّ الْأَوَامِرَ الَّتِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute