للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَمْلًا عَلَى الْمَعْنَى. وَقِيلَ: انْتَصَبَ عَلَى الذَّمِّ. وَيَجُوزُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِمَنْ، وَلَمْ يَذْكُرُوا هَذَا الْوَجْهَ. وَقِيلَ: هُوَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى إِضْمَارِ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: هُمْ الَّذِينَ.

وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي فَخُورًا، وَهُوَ قَلِقٌ. فَهَذِهِ سِتَّةُ أَوْجُهٍ يَكُونُ فِيهَا الَّذِينَ يَبْخَلُونَ مُتَعَلِّقًا بِمَا قَبْلَهُ، وَيَكُونُ الْبَاخِلُونَ مَنْفِيًّا عَنْهُمْ مَحَبَّةُ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَكُونُ الآية إذن فِي الْمُؤْمِنِينَ، وَالْمَعْنَى: أَحْسِنُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ إِلَى مَنْ سَمَّى اللَّهُ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ فِيهِ الْخِلَالُ الْمَانِعَةُ مِنَ الْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ وَهِيَ: الْخُيَلَاءُ، وَالْفَخْرُ، وَالْبُخْلُ، وَالْأَمْرُ بِهِ، وَكِتْمَانُ مَا أَعْطَاهُمُ اللَّهُ مِنَ الرِّزْقِ وَالْمَالِ. وَقِيلَ: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْخَبَرِ: أَهُوَ مَحْذُوفٌ؟ أَمْ مَلْفُوظٌ بِهِ؟ فَقِيلَ: هُوَ مَلْفُوظٌ بِهِ وَهُوَ قَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها «١» وَيَكُونُ الرَّابِطُ مَحْذُوفًا تَقْدِيرُهُ: مِثْقَالَ ذَرَّةٍ لَهُمْ، أَوْ لَا يَظْلِمُهُمْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الزَّجَّاجُ، وَهُوَ بَعِيدٌ مُتَكَلَّفٌ لِكَثْرَةِ الْفَوَاصِلِ بَيْنَ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ، وَلِأَنَّ الْخَبَرَ لَا يَنْتَظِمُ مَعَ الْمُبْتَدَأِ مَعْنَاهُ: انْتِظَامًا وَاضِحًا لِأَنَّ سِيَاقَ الْمُبْتَدَأِ وَمَا عُطِفَ عليه ظاهرا مِنْ قَوْلِهِ: وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ، لَا يُنَاسِبُ أَنْ يُخْبَرَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا، بَلْ مَسَاقُ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ أَنْ يَكُونَ اسْتِئْنَافَ كَلَامٍ إِخْبَارًا عَنْ عَدْلِهِ وَعَنْ فَضْلِهِ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ. وَقِيلَ: هُوَ مَحْذُوفٌ فَقَدَّرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَفْعَلُونَ وَيَصْنَعُونَ أَحِقَّاءُ بِكُلِّ مَلَامَةٍ. وَقَدَّرَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ:

مُعَذَّبُونَ أَوْ مُجَازَوْنَ وَنَحْوَهُ. وَقَدَّرَهُ أَبُو الْبَقَاءِ: أُولَئِكَ قُرَنَاؤُهُمُ الشَّيْطَانُ، وَقَدَّرَهُ أَيْضًا:

مُبْغَضُونَ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: كَافِرُونَ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ «٢» فَإِنْ كَانَ مَا قَبْلَ الْخَبَرِ مِمَّا يَقْتَضِي كُفْرًا حَقِيقَةً كَتَفْسِيرِهِمُ الْبُخْلَ بِأَنَّهُ بُخْلٌ بِصِفَةِ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِإِظْهَارِ نُبُوَّتِهِ. وَالْأَمْرُ بِالْبُخْلِ لِأَتْبَاعِهِمْ أَيْ: بِكِتْمَانِ ذَلِكَ، وَكَتْمِهِمْ مَا تَضَمَّنَتْهُ التَّوْرَاةُ مِنْ نُبُوَّتِهِ وَشَرِيعَتِهِ، كَانَ قَوْلُهُ: وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ، حَقِيقَةً فَإِنْ كَانَ مَا قَبْلَ الْخَبَرِ كُفْرَ نِعْمَةٍ كَتَفْسِيرِهِمْ:

أَنَّهَا فِي الْمُؤْمِنِينَ، كَانَ قَوْلُهُ: وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ كُفْرَ نِعْمَةٍ وَلِكُلٍّ مِنْ هَذِهِ التَّقَادِيرِ مُنَاسِبٌ مِنَ الْآيَةِ، وَالْآيَةُ عَلَى هَذِهِ التَّقَادِيرِ. وَقَوْلِ الزَّجَّاجِ: فِي الْكُفَّارِ، وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ سَبَبُ النُّزُولِ الْمُتَقَدِّمُ. وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْبُخْلِ وَالْأَمْرِ بِهِ، وَالْكِتْمَانِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِي سَبَبِ النُّزُولِ.

وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ: أَيْ أَعْدَدْنَا وَهَيَّأْنَا. وَالْعَتِيدُ: الْحَاضِرُ الْمُهَيَّأُ وَالْمَهِينُ الَّذِي فِيهِ خِزْيٌ وَذُلٌّ، وَهُوَ أَنَكَى وَأَشُدُّ عَلَى المعذب.


(١) سورة النساء: ٤/ ٤٠.
(٢) سورة النساء: ٤/ ٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>