للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ مِثْلِ هَذِهِ الْآيَةِ فِي قَوْلِهِ: كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ «١» وَهُنَا: وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَهُنَاكَ: وَالْيَوْمِ الْآخِرِ. قَالَ السُّدِّيُّ، وَالزَّجَّاجُ وَأَبُو سُلَيْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ وَالْجُمْهُورُ: هُمُ الْمُنَافِقُونَ نَزَلَتْ فِيهِمْ، وَإِنْفَاقُهُمْ هُوَ إِعْطَاؤُهُمُ الزَّكَاةَ، وَإِخْرَاجُهُمُ الْمَالَ فِي السَّفَرِ لِلْغَزْوِ رِئَاءً وَدَفْعًا عَنْ أَنْفُسِهِمْ، لَا إِيمَانًا وَلَا حُبًّا فِي الدِّينِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَمُقَاتِلٌ، ومجاهد: نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ. وَضَعَّفَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ. وَوَجَّهَ ابْنُ عَطِيَّةَ هَذَا الْقَوْلَ بِأَنَّهُمْ لَمْ يُؤْمِنُوا عَلَى مَا يَنْبَغِي جَعَلَ إِيمَانَهُمْ كَلَا إِيمَانٍ مِنْ حَيْثُ لَا يَنْفَعُهُمْ. وَقِيلَ: هُمْ مُشْرِكُو مَكَّةَ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُنْكِرُونَ الْبَعْثَ. وَإِنْفَاقُ الْيَهُودِ هُوَ مَا أَعَانُوا بِهِ قُرَيْشًا فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ وَغَزْوَةِ الْخَنْدَقِ، وَإِنْفَاقُ مُشْرِكِي مَكَّةَ هُوَ مَا كَانَ فِي عَدَاوَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَلَبِهِمُ الِانْتِصَارَ.

وَفِي إِعْرَابِ وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفُ الْخَبَرِ، وَيُقَدَّرُ:

مُعَذَّبُونَ، أَوْ قَرِينُهُمُ الشَّيْطَانُ، وَيَكُونُ الْعَطْفُ مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى الْكَافِرِينَ، فَيَكُونُ مَجْرُورًا قَالَهُ: الطَّبَرِيُّ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى الَّذِينَ يَبْخَلُونَ، فَيَكُونُ إِعْرَابُهُ كَإِعْرَابِ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ. وَالْعَطْفُ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ من عطف المفردات. ورئاء مَصْدَرُ رَاءَ، أَوِ انْتِصَابُهُ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مِنْ أجله، وفيه شروطه فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْدَلَ عَنْهُ. وَقِيلَ: هُوَ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ قَالَهُ: ابْنُ عَطِيَّةَ، وَلَمْ يَذْكُرِ غَيْرَهُ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: وَلَا يُؤْمِنُونَ أَنَّهُ عَطَفَ عَلَى صِلَةِ الَّذِينَ، فَيَكُونُ صِلَةً. وَلَا يَضُرُّ الْفَصْلُ بَيْنَ أَبْعَاضِ الصِّلَةِ بِمَعْمُولٍ لِلصِّلَةِ، إِذِ انْتِصَابُ رِئَاءَ عَلَى وجهيه بينفقون. وَجَوَّزُوا أَنْ يَكُونَ: وَلَا يُؤْمِنُونَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، فَتَكُونُ الْوَاوُ وَاوَ الْحَالِ أَيْ: غَيْرَ مُؤْمِنِينَ، وَالْعَامِلُ فِيهَا يُنْفِقُونَ أَيْضًا. وَحَكَى الْمَهْدَوِيُّ: أَنَّهُ يَجُوزُ انْتِصَابُ رِئَاءَ عَلَى الْحَالِ مِنْ نَفْسِ الْمَوْصُولِ لَا مِنَ الضَّمِيرِ فِي يُنْفِقُونَ، فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ: وَلَا يُؤْمِنُونَ مَعْطُوفًا عَلَى الصِّلَةِ، وَلَا حَالًا مِنْ ضَمِيرِ يُنْفِقُونَ، لِمَا يُلْزَمُ مِنَ الْفَصْلِ بَيْنَ أَبِعَاضِ الصِّلَةِ، أَوْ بَيْنَ مَعْمُولِ الصِّلَةِ بِأَجْنَبِيٍّ وَهُوَ رِئَاءَ الْمَنْصُوبُ عَلَى الْحَالِ مِنْ نَفْسِ الْمَوْصُولِ، بَلْ يَكُونُ قَوْلُهُ: وَلَا يُؤْمِنُونَ مُسْتَأْنَفٌ. وَهَذَا وَجْهٌ مُتَكَلَّفٌ. وَتُعَلُّقُ رِئَاءَ بِقَوْلِهِ: يُنْفِقُونَ وَاضِحٌ، إِمَّا عَلَى الْمَفْعُولِ لَهُ، أَوِ الْحَالِ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْدَلَ عَنْهُ. وَتَكْرَارُ لَا وَحَرْفِ الْجَرِّ فِي قَوْلِهِ: وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ مُفِيدٌ لِانْتِفَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ، وَمِنَ الْإِيمَانِ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ. لأنك إذا قلت:


(١) سورة البقرة: ٢/ ٢٦٤. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>