للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقرأ الجمهور: فيقاتلوكم بِأَلِفِ الْمُفَاعَلَةِ. وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ وَطَائِفَةٌ: فَلَقَتَلُوكُمْ عَلَى وَزْنِ ضَرَبُوكُمْ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَالْجَحْدَرِيُّ: فَلَقَتَّلُوكُمْ بِالتَّشْدِيدِ، وَاللَّامُ فِي لَقَاتَلُوكُمْ لَامُ جَوَابِ لَوْ، لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ عَلَى الْجَوَابِ جَوَابٌ، كَمَا لَوْ قُلْتَ: لَوْ قَامَ زَيْدٌ لَقَامَ عَمْرٌو وَلَقَامَ بَكْرٌ.

وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَاللَّامُ فِي لَسَلَّطَهُمْ جَوَابُ لَوْ، وَفِي فَلَقَاتَلُوكُمْ لَامُ الْمُحَاذَاةِ وَالِازْدِوَاجِ، لِأَنَّهَا بِمَثَابَةِ الْأُولَى لَوْ لَمْ تَكُنِ الْأُولَى كُنْتَ تَقُولُ: لَقَاتَلُوكُمْ انْتَهَى. وَتَسْمِيَتُهُ هَذِهِ اللَّامَ لَامَ الْمُحَاذَاةِ وَالِازْدِوَاجِ تَسْمِيَةٌ غَرِيبَةٌ، لَمْ أَرَ ذَلِكَ إِلَّا فِي عِبَارَةِ هَذَا الرَّجُلِ، وَعِبَارَةِ مَكِّيٍّ قَبْلَهُ.

فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا إِذَا كَانَ الْمُسْتَثْنَوْنَ كُفَّارًا فَالِاعْتِزَالُ حَقِيقَةً لَا يَتَهَيَّأُ إِلَّا فِي حَالَةِ الْمُوَاجَهَةِ فِي الْحَرْبِ كَأَنَّهُ يَقُولُ: إِذَا اعْتَزَلُوكُمْ بِانْفِرَادِهِمْ عَنْ قَوْمِهِمُ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ فَلَا تَقْتُلُوهُمْ. وَقِيلَ: أَرَادَ بِالِاعْتِزَالِ هُنَا الْمُهَادَنَةَ، وَسُمِّيَتِ اعْتِزَالًا لِأَنَّهَا سَبَبُ الِاعْتِزَالِ عَنِ الْقِتَالِ. وَالسَّلَمُ هُنَا الِانْقِيَادُ قَالَهُ: الْحَسَنُ، أَوِ الصُّلْحُ قَالَهُ: الرَّبِيعُ وَمُقَاتِلٌ، أَوِ الْإِسْلَامُ قَالَهُ: الْحَسَنُ أَيْضًا. وَأَمَّا عَلَى مَنْ قَالَ: إِنَّ الْمُسْتَثْنَيْنَ مُؤْمِنُونَ، فَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ إِذْ قَدِ اعْتَزَلُوكُمْ وَأَظْهَرُوا الْإِسْلَامَ فَاتْرُكُوهُمْ، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ فِي «الَّذِينَ أَسْلَمُوا وَلَمْ يَسْتَحْكِمْ إِيمَانُهُمْ» وَالْمَعْنَى: سَبِيلًا إِلَى قَتْلِهِمْ وَمُقَاتَلَتِهِمْ. وَقَرَأَ الْجَحْدَرِيُّ: السَّلْمُ بِسُكُونِ اللَّامِ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ: بِكَسْرِ السِّينِ، وَسُكُونِ اللَّامِ.

سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها لَمَّا ذَكَرَ صِفَةَ الْمُحِقِّينَ فِي الْمُتَارَكَةِ، الْمُجِدِّينَ فِي إِلْقَاءِ السَّلَمِ، نَبَّهَ عَلَى طَائِفَةٍ أُخْرَى مُخَادِعَةٍ يُرِيدُونَ الْإِقَامَةَ فِي مَوَاضِعِهِمْ مَعَ أَهْلِيهِمْ يَقُولُونَ لَهُمْ: نَحْنُ مَعَكُمْ وَعَلَى دِينِكُمْ، وَيَقُولُونَ لِلْمُسْلِمِينَ كَذَلِكَ إِذَا وَجَدُوا. قِيلَ: كَانَتْ أَسَدٌ وَغَطَفَانُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَنَزَلَتْ فِيهِمْ، قَالَهُ: مُقَاتِلٌ. وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي نُعَيْمِ بْنِ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيِّ كَانَ يَنْقُلُ بَيْنَ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ الْأَخْبَارَ قَالَهُ: السُّدِّيُّ. وَقِيلَ: فِي قَوْمٍ يَجِيئُونَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِيَاءً وَيُظْهِرُونَ الْإِسْلَامَ ثُمَّ يَرْجِعُونَ إِلَى قُرَيْشٍ يَكْفُرُونَ، فَفَضَحَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَعْلَمَ أَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى صِفَةِ مَنْ تَقَدَّمَ قَالَهُ: مُجَاهِدٌ. وَقِيلَ: إِنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ تِهَامَةَ قَالَهُ: قَتَادَةُ. وَقِيلَ: إِنَّهُمْ مِنَ الْمُنَافِقِينَ قَالَهُ:

الْحَسَنُ.

وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ: سَتَجِدُونَ آخَرِينَ، أَنَّهُمْ قَوْمٌ غَيْرُ الْمُسْتَثْنَيْنَ فِي قَوْلِهِ: إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ «١» . وَذَهَبَ قَوْمٌ: إِلَى أَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْآيَةِ الْأُولَى، وَالْقَوْمُ الَّذِينَ نَزَلَتْ فِيهِمْ هُمُ الَّذِينَ


(١) سورة النساء: ٤/ ٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>