للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّفْيِ، وَالْمَنْفِيُّ هُوَ الْقِيَامُ، وَلَيْسَتْ أَنْ مُضْمَرَةً بَلِ اللَّامُ هِيَ النَّاصِبَةُ. وَالْبَصْرِيُّونَ يَقُولُونَ:

النَّصْبُ بِإِضْمَارِ أَنْ، وَيَنْسَبِكُ مِنْ أَنِ الْمُضْمَرَةِ وَالْفِعْلِ بَعْدَهَا مَصْدَرٌ، وَذَلِكَ الْمَصْدَرُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا، لِأَنَّهُ مَعْنًى وَالْمُخْبَرُ عَنْهُ جُثَّةٌ. وَلَكِنَّ الْخَبَرَ مَحْذُوفٌ، وَاللَّامُ تَقْوِيَةٌ لِتَعْدِيَةِ ذَلِكَ الْخَبَرِ إِلَى الْمَصْدَرِ لِأَنَّهُ جُثَّةٌ. وَأُضْمِرَتْ أَنْ بَعْدَهَا وَصَارَتِ اللَّامُ كَالْعِوَضِ مِنْ أَنِ الْمَحْذُوفَةِ، وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ حَذْفُ هَذِهِ اللَّامِ، وَلَا الْجَمْعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَنْ ظَاهِرَةً. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: وَالْمُرَادُ بِنَفْيِهِمَا نَفْيُ مَا يَقْتَضِيهِمَا أَنَّ الْمَعْنَى لَمْ يَكُونُوا لِيُؤْمِنُوا فَيَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ وَيَهْدِيَهُمْ.

بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً الْخِطَابُ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَمَعْنَى: بَشِّرْ أَخْبِرْ، وَجَاءَ بِلَفْظِ بَشِّرْ عَلَى سَبِيلِ التَّهَكُّمِ بِهِمْ نَحْوَ قَوْلِهِ: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ «١» أَيِ الْقَائِمُ لَهُمْ مَقَامَ الْبِشَارَةِ، هُوَ الْإِخْبَارُ بِالْعَذَابِ كَمَا

قَالَ: «تَحِيَّةُ بَيْنِهِمْ ضَرْبٌ وَجِيعٌ» .

وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: جَاءَتِ الْبِشَارَةِ هُنَا مِصُرَّحًا بقيدها، فَلِذَلِكَ حَسُنَ اسْتِعْمَالُهَا فِي الْمَكْرُوهِ. وَمَتَى جَاءَتْ مُطْلَقَةً فَإِنَّمَا عَرَفَهَا فِي الْمَحْبُوبِ. وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الَّتِي قَبْلَهَا إِنَّمَا هِيَ فِي الْمُنَافِقِينَ. وَقَالَ الْمَاتُرِيدِيُّ: بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا «٢» فِي أَهْلِ النِّفَاقِ وَالْمُرَاءَاةِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ ذِكْرٌ لِلْمُنَافِقِينَ سِوَى هَذِهِ الْآيَةَ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ ذِكْرِ الْمُنَافِقِينَ.

الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيِ: الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَمُشْرِكِي الْعَرَبِ أَوْلِيَاءَ أَنْصَارًا وَمُعِينِينَ يُوَالُونَهُمْ عَلَى الرَّسُولِ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَنَصَّ مِنْ صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ عَلَى أَشَدِّهَا ضَرَرًا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَهِيَ: مُوَالَاتُهُمُ الْكُفَّارَ، وَاطِّرَاحُهُمُ الْمُؤْمِنِينَ، وَنَبَّهَ عَلَى فَسَادِ ذَلِكَ لِيَدَعَهُ مَنْ عَسَى أَنْ يَقَعَ فِي نَوْعٍ مِنْهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَفْلَةً أَوْ جَهَالَةً أَوْ مُسَامَحَةً.

وَالَّذِينَ: نَعْتٌ لِلْمُنَافِقِينَ، أَوْ نَصْبٌ عَلَى الذَّمِّ، أَوْ رَفْعٌ عَلَى خَبَرِ الْمُبْتَدَأِ. أَيْ: هُمُ الَّذِينَ.

أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ أَيِ: الْغَلَبَةَ وَالشِّدَّةَ وَالْمَنَعَةَ بِمُوَالَاتِهِمْ، وَقَوْلِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ: لا يتم أمر محمد. وَفِي هَذَا الِاسْتِفْهَامِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُمْ لَا عِزَّةَ لَهُمْ فَكَيْفَ تَبْتَغِي مِنْهُمْ؟ وَعَلَى خُبْثِ مَقْصِدِهِمْ. وَهُوَ طَلَبُ الْعِزَّةِ بِالْكَفَّارِ وَالِاسْتِكْثَارُ بِهِمْ.

فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً أَيْ لِأَوْلِيَائِهِ الَّذِينَ كَتَبَ لَهُمُ الْعِزَّ وَالْغَلَبَةَ على اليهود وغيرهم.


(١) سورة آل عمران: ٣/ ٢١.
(٢) سورة النساء: ٤/ ١٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>