للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ تَعَالَى: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ «١» . وَقَالَ: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ «٢» . وَقَالَ تَعَالَى: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً «٣» وَالْفَاءُ فِي فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ دَخَلَتْ لِمَا فِي الْكَلَامِ مِنْ مَعْنَى الشَّرْطِ، وَالْمَعْنَى:

أَنْ تَبْتَغُوا الْعِزَّةَ مِنْ هَؤُلَاءِ فَإِنَّ الْعِزَّةَ، وَانْتَصَبَ جَمِيعًا عَلَى الْحَالِ.

وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ الْخِطَابُ لِمَنْ أَظْهَرَ الْإِيمَانَ مِنْ مُخْلِصٍ وَمُنَافِقٍ. وَقِيلَ: لِلْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ، وَيَكُونُ الْتِفَاتًا. وَكَانُوا يَجْلِسُونَ إِلَى أَحْبَارِ الْيَهُودِ وَهُمْ يَخُوضُونَ فِي الْقُرْآنِ يَسْمَعُونَ مِنْهُمْ، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ، وَذُكِّرُوا بما نزل عليهم بمكة مِنْ قَوْلِهِ: وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: وَقَدْ نُزِّلَ مُشَدَّدًا مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ. وَقَرَأَ عَاصِمٌ: نَزَّلَ مُشَدَّدًا مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ. وَقَرَأَ أَبُو حَيْوَةَ وَحُمَيْدٌ: نَزَلَ مُخَفَّفًا مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ. وَقَرَأَ النَّخَعِيُّ: أُنْزِلَ بِالْهَمْزَةِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، وَمَحَلُّ أَنْ رَفْعٌ أَوْ نَصْبٌ عَلَى حَسَبِ الْعَامِلِ، فَنُصِبَ عَلَى قِرَاءَةِ عَاصِمٍ، وَرُفِعَ عَلَى الْفَاعِلِ عَلَى قِرَاءَةِ أَبِي حَيْوَةَ وَحُمَيْدٍ، وَعَلَى الْمَفْعُولِ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ عَلَى قِرَاءَةِ الْبَاقِينَ. وَإِنْ هِيَ الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ وَاسْمُهَا ضَمِيرُ الشَّأْنِ مَحْذُوفٌ وَتَقْدِيرُهُ: ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا سَمِعْتُمْ. وَمَا قَدَّرَهُ أَبُو الْبَقَاءِ مِنْ قَوْلِهِ: أَنَّكُمْ إِذَا سَمِعْتُمْ، لَيْسَ بِجَيِّدٍ، لِأَنَّهَا إِذَا خُفِّفَتْ إِنْ لَمْ تَعْمَلْ فِي ضَمِيرِ إِلَّا إِذَا كَانَ ضَمِيرَ أَمْرٍ، وَشَأْنٍ مَحْذُوفٍ، وَإِعْمَالُهَا فِي غَيْرِهِ ضَرُورَةٌ نَحْوُ قَوْلِهِ:

فَلَوْ أَنْكِ فِي يَوْمِ الرَّخَاءِ سَأَلْتِنِي ... طَلَاقَكِ لَمْ أَبْخَلْ وَأَنْتِ صَدِيقُ

وَخَبَرُ أَنَّ هِيَ الْجُمْلَةُ مِنْ إِذَا وَجَوَابِهَا. وَمِثَالُ وُقُوعِ جُمْلَةِ الشَّرْطِ خَبَرًا لأن الْمُخَفَّفَةِ مِنَ الثَّقِيلَةِ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

فَعَلِمْتُ أَنْ مَنْ تَتَّقُوهُ فَإِنَّهُ ... جُزْرٌ لِخَامِعَةٍ وفرخ عقاب

ويكفر بِهَا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، وَالضَّمِيرُ فِي مَعَهُمْ عَائِدٌ عَلَى الْمَحْذُوفِ


(١) سورة المجادلة: ٥٨/ ٢١.
(٢) سورة المنافقون: ٦٣/ ٨.
(٣) سورة فاطر: ٣٥/ ١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>