الْقَلَائِدُ مَا كَانُوا يَتَقَلَّدُونَهُ مِنَ السَّمَرِ إِذَا خَرَجُوا إِلَى الْحَجِّ، فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَامَةَ حَجَّةٍ. وَقِيلَ:
أَوْ مَا يُقَلَّدُهُ الْحَرَمِيُّ إِذَا خَرَجَ لِحَاجَةٍ، لِيَدُلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ حَرَمِيٌّ، فَنَهَى تَعَالَى عَنِ اسْتِحْلَالِ مَنْ يُحْرِمُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ. وَحَكَى الطَّبَرِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ الْقَلَائِدَ هِيَ الْهَدْيُ الْمُقَلَّدُ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا سُمِّيَ هَدْيًا مَا لَمْ يُقَلَّدْ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَلَا الْهَدْيَ الَّذِي لَمْ يُقَلَّدْ وَلَا الْمُقَلَّدُ مِنْهُ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا تَحَامُلٌ عَلَى أَلْفَاظِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَيْسَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْهَدْيَ، إِنَّمَا يُقَالُ: لِمَا لَمْ يُقَلَّدْ. وَإِنَّمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ تَعَالَى نَهَى عَنِ الْهَدْيِ جُمْلَةً، ثُمَّ ذَكَرَ الْمُقَلَّدَ مِنْهُ تَأْكِيدًا وَمُبَالَغَةً فِي التَّنْبِيهِ عَلَى الْحُرْمَةِ فِي الْمُقَلَّدِ. وَقِيلَ: أَرَادَ الْقَلَائِدَ نَفْسَهَا فَنَهَى عَنِ التَّعَرُّضِ لِقَلَائِدِ الْهَدْيِ مُبَالَغَةً فِي النَّهْيِ عَنِ التَّعَرُّضِ لِلْهَدْيِ، أَيْ: لَا تُحِلُّوا قَلَائِدَهَا فَضْلًا عَنْ أَنْ تَحِلُّوهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ «١» نَهَى عَنْ إِبْدَاءِ الزِّينَةِ مُبَالَغَةً فِي النَّهْيِ عَنْ إِبْدَاءِ مَوَاقِعَهَا.
وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: تَأْوِيلُهُ أَنَّهُ نَهَى عَنِ اسْتِحْلَالِ حُرْمَةِ الْمُقَلَّدِ هَدْيًا كَانَ أَوْ إِنْسَانًا، وَاجْتَزَأَ بِذِكْرِ الْقَلَائِدِ عَنْ ذِكْرِ الْمُقَلَّدِ إِذْ كَانَ مَفْهُومًا عِنْدَ الْمُخَاطَبِ.
وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ وَأَصْحَابُهُ: وَلَا آمِّي بِحَذْفِ النُّونِ لِلْإِضَافَةِ إِلَى الْبَيْتِ، أَيْ: وَلَا تُحِلُّوا قَوْمًا قَاصِدِينَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَهُمُ الْحُجَّاجُ وَالْعُمَّارُ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَإِحْلَالُ هَذِهِ أَيْ: يُتَهَاوَنُ بِحُرْمَةِ الشَّعَائِرِ، وَأَنْ يُحَالَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُتَنَسِّكِينَ وَأَنْ يُحْدِثُوا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مَا يَصُدُّونَ بِهِ النَّاسَ عَنِ الْحَجِّ، وَأَنْ يَتَعَرَّضَ لِلْهَدْيِ بِالْغَصْبِ أَوْ بِالْمَنْعِ مِنْ بُلُوغِ مَحِلِّهِ.
يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً قَرَأَ الْجُمْهُورُ يَبْتَغُونَ بِالْيَاءِ، فيكون صفة لآمين. وَفَسَّرَ الزَّمَخْشَرِيُّ الْفَضْلَ بِالثَّوَابِ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ. وَقِيلَ: الْفَضْلُ التِّجَارَةُ وَالْأَرْبَاحُ فِيهَا. وَقِيلَ: الزِّيَادَةُ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ يَبْتَغُونَ رَجَاءَ الزِّيَادَةِ فِي هَذَا. وَأَمَّا الرِّضْوَانُ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَقْصِدُونَهُ وَإِنْ كَانُوا لَا يَنَالُونَهُ، وَابْتِغَاءُ الشَّيْءِ لَا يَدُلُّ عَلَى حُصُولِهِ.
وَقِيلَ: هُوَ تَوْزِيعٌ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، فَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَبْتَغِي التِّجَارَةَ إِذْ لَا يَعْتَقِدُ مَعَادًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْتَغِي الرِّضْوَانَ بِالْحَجِّ إِذْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ يَعْتَقِدُ الْجَزَاءَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَأَنَّهُ يُبْعَثُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَحْصُلُ لَهُ رِضْوَانُ الله، فأخبر بذلك على بناء ظَنِّهِ. وَقِيلَ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ يَحُجُّونَ، فَابْتِغَاءُ الْفَضْلِ مِنْهُمَا، وَابْتِغَاءُ الرِّضْوَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ أَنْ يُصْلِحَ مَعَايِشَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَلَا يُعَجِّلَ لَهُمُ الْعُقُوبَةَ فِيهَا. وَقَالَ قَوْمٌ: الْفَضْلُ وَالرِّضْوَانُ فِي الْآيَةِ في
(١) سورة النور: ٢٤/ ٣١.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute