للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُؤْمِنِينَ فِي قَوْلِهِ: وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ «١» ثُمَّ ذَكَرَ وَعْدَهُ إِيَّاهُمْ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِذِكْرِ نِعْمَتِهِ عليه إِذْ كَفَّ أَيْدِيَ الْكُفَّارِ عَنْهُمْ، ذَكَّرَهُمْ بِقِصَّةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي أَخْذِ الْمِيثَاقِ عَلَيْهِمْ، وَوَعْدِهِ لَهُمْ بِتَكْفِيرِ السَّيِّئَاتِ، وَإِدْخَالِهِمُ الْجَنَّةَ، فَنَقَضُوا الْمِيثَاقَ وَهَمُّوا بِقَتْلِ الرَّسُولِ، وَحَذَّرَهُمْ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ أَنْ يَسْلُكُوا سَبِيلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ هُوَ بِالْإِيمَانِ وَالتَّوْحِيدِ. وَبَعْثُ النُّقَبَاءِ قِيلَ: هُمُ الْمُلُوكُ بُعِثُوا فِيهِمْ يُقِيمُونَ الْعَدْلَ، وَيَأْمُرُونَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَوْنَهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ.

وَالنَّقِيبُ: كَبِيرُ الْقَوْمِ الْقَائِمُ بِأُمُورِهِمْ. وَالْمَعْنَى فِي الْآيَةِ: أَنَّهُ عَدَّدَ عَلَيْهِمْ نِعَمَهُ فِي أَنْ بَعَثَ لِأَعْدَائِهِمْ هَذَا الْعَدَدَ مِنَ الْمُلُوكِ قَالَهُ النَّقَّاشُ. وَقَالَ: مَا وَفَّى مِنْهُمْ إِلَّا خَمْسَةٌ: دَاوُدُ.

وَسُلَيْمَانُ ابْنُهُ، وَطَالُوتُ، وَحَزْقِيلُ، وَابْنُهُ وَكَفَرَ السَّبْعَةُ وَبَدَّلُوا وَقَتَلُوا الْأَنْبِيَاءَ، وَخَرَجَ خِلَالَ الِاثْنَيْ عَشَرَ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ جَبَّارًا كُلُّهُمْ يَأْخُذُ الْمُلْكَ بِالسَّيْفِ، وَيَعْبَثُ فِيهِمْ، وَالْبَعْثُ: مِنْ بَعْثِ الْجُيُوشِ. وَقِيلَ: هُوَ مِنْ بَعْثِ الرُّسُلِ وَهُوَ إِرْسَالُهُمْ وَالنُّقَبَاءُ الرُّسُلُ جَعَلَهُمُ اللَّهُ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ كُلُّ نَبِيٍّ مِنْهُمْ إِلَى سِبْطٍ.

وَقِيلَ: الْمِيثَاقُ هُنَا وَالنُّقَبَاءُ هُوَ مَا جَرَى لِمُوسَى مَعَ قَوْمِهِ فِي جِهَادِ الْجَبَّارِينَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا اسْتَقَرَّ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِمِصْرَ بَعْدَ هَلَاكِ فِرْعَوْنَ أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِالْمَسِيرِ إِلَى أَرِيحَا أَرْضِ الشَّامِ، وَكَانَ يَسْكُنُهَا الْكُفَّارُ الْكَنْعَانِيُّونَ الْجَبَابِرَةُ وَقَالَ لَهُمْ: إِنِّي كَتَبْتُهَا لَكُمْ دَارًا وَقَرَارًا فَاخْرُجُوا إِلَيْهَا، وَجَاهِدُوا مَنْ فِيهَا، وَإِنِّي نَاصِرُكُمْ. وَأَمَرَ مُوسَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ سِبْطٍ نَقِيبًا يَكُونُ كَفِيلًا عَلَى قَوْمِهِ بِالْوَفَاءِ بِمَا أُمِرُوا بِهِ تَوْثِقَةً عَلَيْهِمْ، فَاخْتَارَ النُّقَبَاءَ، وَأَخَذَ الْمِيثَاقَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَتَكَفَّلَ لَهُمْ بِهِ النُّقَبَاءُ، وَسَارَ بِهِمْ فَلَمَّا دَنَا مِنْ أَرْضِ كَنْعَانَ بَعَثَ النُّقَبَاءَ يَتَجَسَّسُونَ فَرَأَوْا أَجْرَامًا عِظَامًا وَقُوَّةً وَشَوْكَةً، فَهَابُوا وَرَجَعُوا وَحَدَّثُوا قَوْمَهُمْ، وَقَدْ نَهَاهُمْ مُوسَى أَنْ يُحَدِّثُوهُمْ، فَنَكَثُوا الْمِيثَاقَ، إِلَّا كَالَبَ بْنَ يُوقَنَّا مِنْ سِبْطِ يُهُودَا، وَيُوشِعَ بْنِ نُونَ مِنْ سِبْطِ إفرائيم بْنِ يُوسُفَ وَكَانَا مِنَ النُّقَبَاءِ.

وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ حَبِيبٍ فِي الْمُحَبَّرِ أَسْمَاءَ هَؤُلَاءِ النُّقَبَاءِ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ مُوسَى فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ بِأَلْفَاظٍ لَا تَنْضَبِطُ حُرُوفُهَا وَلَا شَكْلُهَا، وَذَكَرَهَا غَيْرُهُ مُخَالِفَةً فِي أَكْثَرِهَا لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ لَا ينضبط أَيْضًا. وَذَكَرُوا مِنْ خَلْقِ هَؤُلَاءِ الْجَبَّارِينَ وَعِظَمِ أَجْسَامِهِمْ وَكِبَرِ قَوَالِبِهِمْ مَا لَا يَثْبُتُ بِوَجْهٍ، قَالُوا: وَعَدَدُ هَؤُلَاءِ النُّقَبَاءِ كَانَ بِعَدَدِ النُّقَبَاءِ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ السَّبْعِينَ رُجُلًا وَالْمَرْأَتَيْنِ الَّذِينَ بَايَعُوهُ فِي الْعَقَبَةِ الثَّانِيَةِ، وَسَمَّاهُمْ: النُّقَبَاءَ.


(١) سورة المائدة: ٥/ ٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>