للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ أَيْ بِالنَّصْرِ وَالْحِيَاطَةِ. وَفِي هَذِهِ الْمَعِيَّةِ دَلَالَةٌ عَلَى عِظَمِ الِاعْتِنَاءِ وَالنُّصْرَةِ، وَتَحْلِيلِ مَا شَرَطَهُ عَلَيْهِمْ مِمَّا يَأْتِي بَعْدُ، وَضَمِيرُ الْخِطَابِ هُوَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ جَمِيعًا. وَقَالَ الرَّبِيعُ: هُوَ خِطَابٌ لِلنُّقَبَاءِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الرَّاجِحُ لِانْسِحَابِ الْأَحْكَامِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ عَلَى جَمِيعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ.

لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ اللَّامُ فِي لَئِنْ أَقَمْتُمْ هِيَ الْمُؤْذِنَةُ بِالْقَسَمِ وَالْمُوَطِّئَةُ بِمَا بَعْدَهَا، وَبَعْدَ أَدَاةِ الشَّرْطِ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا لِلْقَسَمِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْقَسَمُ مَحْذُوفًا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَأُكَفِّرَنَّ جَوَابًا لِقَوْلِهِ: وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بني إِسْرَائِيلَ، وَيَكُونَ قَوْلُهُ: وَبَعَثْنَا وَالْجُمْلَةُ الَّتِي بَعْدَهُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، أَوْ يَكُونَانِ جُمْلَتَيِ اعْتِرَاضٍ، وَجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ جَوَابِ الْقَسَمِ عَلَيْهِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ:

وَهَذَا الْجَوَابُ يَعْنِي لَأُكَفِّرَنَّ، سَادٌّ مَسَدَّ جَوَابِ الْقَسَمِ وَالشَّرْطِ جَمِيعًا انْتَهَى. وَلَيْسَ كَمَا ذَكَرَ لَا يَسُدُّ لَأُكَفِّرَنَّ مَسَدَّهُمَا، بَلْ هُوَ جَوَابُ الْقَسَمِ فَقَطْ، وَجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ كَمَا ذَكَرْنَا.

وَالزَّكَاةُ هُنَا مَفْرُوضٌ مِنَ الْمَالِ كَانَ عَلَيْهِمْ، وَقِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: وَأَعْطَيْتُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ كُلَّ مَا فِيهِ زَكَاةٌ لَكُمْ حَسْبَمَا نُدِبْتُمْ إِلَيْهِ قَالَهُ: ابْنُ عَطِيَّةَ. والأول هو الرَّاجِحُ.

وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي، الْإِيمَانُ بِالرُّسُلِ هُوَ التَّصْدِيقُ بِجَمِيعِ ما جاؤوا بِهِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَدَّمَ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ عَلَى الْإِيمَانِ تَشْرِيفًا لَهُمَا، وَقَدْ عُلِمَ وَتَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُ عَمَلٌ إِلَّا بِالْإِيمَانِ قَالَهُ: ابْنُ عَطِيَّةَ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ: كَانَ الْيَهُودُ مُقِرِّينَ بِحُصُولِ الْإِيمَانِ مَعَ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَكَانُوا مُكَذِّبِينَ بَعْضَ الرُّسُلِ، فَذَكَرَ بَعْدَهُمَا الْإِيمَانَ بِجَمِيعِ الرُّسُلِ، وَأَنَّهُ لَا تَحْصُلُ نَجَاةٌ إِلَّا بِالْإِيمَانِ بِجَمِيعِهِمْ انْتَهَى مُلَخَّصًا. وَقَرَأَ الْحَسَنُ: بِرُسْلِي بِسُكُونِ السِّينِ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ، وَعَزَّرْتُمُوهُمْ. وَقَرَأَ عَاصِمٌ الْجَحْدَرِيُّ: وَعَزَرْتُمُوهُمْ خَفِيفَةَ الزَّايِ.

وَقَرَأَ فِي الْفَتْحِ: وَتُعَزِّرُوهُ «١» بِفَتْحِ التَّاءِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ وَضَمِّ الزَّايِ، وَمَصْدَرُهُ الْعَزْرُ.

وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا: إِيتَاءُ الزَّكَاةِ هُوَ فِي الْوَاجِبِ، وَهَذَا الْقَرْضُ هُوَ فِي الْمَنْدُوبِ.

وَنَبَّهَ عَلَى الصَّدَقَاتِ الْمَنْدُوبَةِ بِذِكْرِهَا فِيمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمَجْمُوعِ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا لِمَوْقِعِهَا مِنَ النَّفْعِ الْمُتَعَدِّي. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَلَوْ جَاءَ إِقْرَاضًا لَكَانَ صَوَابًا، أُقِيمَ الِاسْمُ هُنَا مَقَامَ الْمَصْدَرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً «٢» لَمْ يَقُلْ بِتَقْبِيلٍ ولا إنباتا


(١) سورة الفتح: ٤٨/ ٩.
(٢) سورة آل عمران: ٣/ ٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>