للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انْتَهَى. وَقَدْ فُسِّرَ هَذَا الْإِقْرَاضُ بِالنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَبِالنَّفَقَةِ عَلَى الْأَهْلِ، وَبِالزَّكَاةِ. وَفِيهِ بُعْدٌ، لِأَنَّهُ تَكْرَارٌ. وَوَصَفَهُ بِحَسَنٍ إِمَّا لِأَنَّهُ لَا يُتْبَعُ بِمَنٍّ وَلَا أَذًى، وَإِمَّا لِأَنَّهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ.

لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ: رَتَّبَ عَلَى هَذِهِ الْخَمْسَةِ الْمَشْرُوطَةِ تَكْفِيرَ السَّيِّئَاتِ، وَذَلِكَ إِشَارَةً إِلَى إِزَالَةِ الْعِقَابِ، وَإِدْخَالِ الْجَنَّاتِ، وَذَلِكَ إِشَارَةً إِلَى إِيصَالِ الثَّوَابِ.

فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ أَيْ بَعْدَ ذَلِكَ الْمِيثَاقِ الْمَأْخُوذِ وَالشَّرْطِ الْمُؤَكَّدِ فَقَدْ أَخْطَأَ الطَّرِيقَ الْمُسْتَقِيمَ. وَسَوَاءُ السَّبِيلِ وَسَطُهُ وَقَصْدُهُ الْمُؤَدِّي إِلَى الْقَصْدِ، وَهُوَ الَّذِي شَرَعَهُ اللَّهُ. وَتَخْصِيصُ الْكُفْرِ بِتَعْدِيَةِ أَخْذِ الْمِيثَاقِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ ضَلَالًا عَنِ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ، لِأَنَّهُ بَعْدَ الشَّرْطِ الْمُؤَكَّدِ بِالْوَعْدِ الصَّادِقِ الْأَمِينِ الْعَظِيمِ أَفْحَشُ وَأَعْظَمُ، إِذْ يُوجِبُ أَخْذُ الْمِيثَاقِ الْإِيفَاءَ بِهِ، لَا سِيَّمَا بَعْدَ هَذَا الْوَعِيدِ عِظَمُ الْكُفْرِ هُوَ بِعِظَمِ النِّعْمَةِ الْمَكْفُورَةِ.

فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ.

لَعَنَّاهُمْ أَيْ طَرَدْنَاهُمْ وَأَبْعَدْنَاهُمْ مِنَ الرَّحْمَةِ قَالَهُ: عَطَاءٌ وَالزَّجَّاجُ. أَوْ عذبناهم بالمسح قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ كَمَا قَالَ: أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ «١» أَيْ نَمْسَخَهُمْ كَمَا مَسَخْنَاهُمْ قَالَهُ: الْحَسَنُ، وَمُقَاتِلٌ: أَوْ عَذَّبْنَاهُمْ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ قَالَهُ: ابْنُ عَبَّاسٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ:

نَقَضُوا الْمِيثَاقَ بِتَكْذِيبِ الرُّسُلِ الَّذِينَ جَاءُوا بَعْدَ مُوسَى وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَتَضْيِيعِ الْفَرَائِضِ.

وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: جَافِيَةً جَافَّةً. وَقِيلَ: غَلِيظَةً لَا تَلِينُ.

وَقِيلَ: مُنْكِرَةً لَا تَقْبَلُ الْوَعْظَ، وَكُلُّ هَذَا مُتَقَارِبٌ. وَقَسْوَةُ الْقَلْبِ غِلَظُهُ وَصَلَابَتُهُ حَتَّى لَا يَنْفَعِلَ لِخَيْرٍ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ مِنَ السَّبْعَةِ: قَاسِيَةً اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ قَسَا يَقْسُو. وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: قَسِيَّةً بِغَيْرِ أَلِفٍ وَبِتَشْدِيدِ الْيَاءِ، وَهِيَ فَعِيلٌ لِلْمُبَالَغَةِ كَشَاهِدٍ وَشَهِيدٍ. وَقَالَ قَوْمٌ:

هَذِهِ الْقِرَاءَةُ لَيْسَتْ مِنْ مَعْنَى الْقَسْوَةِ، وَإِنَّمَا هِيَ كَالْقَسِيَّةِ مِنَ الدَّرَاهِمِ، وَهِيَ الَّتِي خَالَطَهَا غِشٌّ وَتَدْلِيسٌ، وَكَذَلِكَ القلوب لم يصل الْإِيمَانُ بَلْ خَالَطَهَا الْكُفْرُ وَالْفَسَادُ. قَالَ أَبُو زُبَيْدٍ الطائي:


(١) سورة النساء: ٤/ ٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>