للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْلِي وَقَالَ: إِذَا كُنْتَ أَنْتَ بَعْضَ مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ قَادِرًا عَلَى أَنْ تَأْكُلَ وَتَشْرَبَ، فَكَيْفَ لَا يَكُونُ اللَّهُ قَادِرًا عَلَى ذَلِكَ؟ فَاسْتَدْلَلْتُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى فَرْطِ غَبَاوَتِهِ وَجَهْلِهِ بِصِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى. وَذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى أَنَّهُمْ أَهْلُ نَجْرَانَ، وَزَعَمَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنَّهُ إِلَهُ الْأَرْضِ، وَاللَّهُ إِلَهُ السَّمَاءِ. وَمِنْ بَعْضِ اعْتِقَادَاتِ النَّصَارَى اسْتَنْبَطَ مَنْ تَسَتَّرَ بِالْإِسْلَامِ ظَاهِرًا وَانْتَمَى إِلَى الصُّوفِيَّةِ حُلُولَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الصُّوَرِ الْجَمِيلَةِ، وَمَنْ ذَهَبَ مِنْ مَلَاحِدَتِهِمْ إِلَى الْقَوْلِ بِالِاتِّحَادِ وَالْوَحْدَةِ:

كَالْحَلَّاجِ، وَالشَّوْذِيِّ، وَابْنِ أَحْلَى، وَابْنِ الْعَرَبِيِّ الْمُقِيمِ كَانَ بِدِمَشْقَ، وَابْنِ الْفَارِضِ. وَأَتْبَاعِ هَؤُلَاءِ كَابْنِ سَبْعِينَ، وَالتُّسْتَرِيِّ تِلْمِيذِهِ، وَابْنِ مُطَرِّفٍ الْمُقِيمِ بِمُرْسِيَةَ، وَالصَّفَّارِ الْمَقْتُولِ بِغِرْنَاطَةَ، وَابْنِ اللَّبَّاجِ، وَأَبُو الْحَسَنِ الْمُقِيمُ كَانَ بِلُورَقَةَ. وَمِمَّنْ رَأَيْنَاهُ يُرْمَى بِهَذَا الْمَذْهَبِ الْمَلْعُونِ الْعَفِيفُ التِّلِمْسَانِيُّ وَلَهُ فِي ذَلِكَ أَشْعَارٌ كَثِيرَةٌ، وَابْنُ عَيَّاشٍ الْمَالِقِيُّ الْأَسْوَدُ الْأَقْطَعُ الْمُقِيمُ كَانَ بِدِمَشْقَ، وَعَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ الْمُؤَخَّرِ الْمُقِيمُ كَانَ بِصَعِيدِ مِصْرَ، وَالْأَيْكِيُّ الْعَجَمِيُّ الَّذِي كَانَ تَوَلَّى الْمَشْيَخَةَ بَخَانِقَاهِ سَعِيدِ السعداء بالقاهر مِنْ دِيَارِ مِصْرَ، وَأَبُو يَعْقُوبَ بْنُ مُبَشِّرٍ تِلْمِيذُ التُّسْتَرِيِّ الْمُقِيمُ كَانَ بِحَارَةِ زُوَيْلَةَ. وَإِنَّمَا سَرَدْتُ أَسْمَاءَ هَؤُلَاءِ نُصْحًا لِدِينِ اللَّهِ يَعْلَمُ اللَّهُ ذَلِكَ وَشَفَقَةً عَلَى ضُعَفَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَلِيَحْذَرُوا فَهُمْ شَرٌّ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ اللَّهَ تَعَالَى وَرُسُلَهُ وَيَقُولُونَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ، وَيُنْكِرُونَ الْبَعْثَ. وَقَدْ أُولِعَ جَهَلَةٌ مِمَّنْ يَنْتَمِي لِلتَّصَوُّفِ بِتَعْظِيمِ هَؤُلَاءِ وَادِّعَائِهِمْ أَنَّهُمْ صَفْوَةُ اللَّهِ وَأَوْلِيَاؤُهُ، وَالرَّدُّ عَلَى النَّصَارَى وَالْحُلُولِيَّةِ وَالْقَائِلِينَ بِالْوَحْدَةِ هُوَ مِنْ عِلْمِ أُصُولِ الدِّينِ.

وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: الْقَائِلُونَ بِأَنَّ اللَّهَ هو المسيح فِرْقَةٌ مِنَ النَّصَارَى، وَكُلُّ فِرَقِهِمْ عَلَى اخْتِلَافِ أَقْوَالِهِمْ يَجْعَلُ لِلْمَسِيحِ حَظًّا مِنَ الْأُلُوهِيَّةِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: قِيلَ: كَانَ فِي النَّصَارَى مَنْ يَقُولُ ذَلِكَ، وَقِيلَ: مَا صَرَّحُوا بِهِ، وَلَكِنَّ مَذْهَبَهُمْ يُؤَدِّي إِلَيْهِ حَيْثُ اعْتَقَدُوا أَنَّهُ يَخْلُقُ وَيُحْيِي وَيُمِيتُ وَيُدَبِّرُ الْعَالَمَ.

قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً هَذَا رَدٌّ عَلَيْهِمْ. وَالْفَاءُ فِي: فَمَنْ لِلْعَطْفِ عَلَى جُمْلَةٍ مَحْذُوفَةٍ تَضَمَّنَتْ كَذِبَهُمْ فِي مَقَالَتِهِمْ التَّقْدِيرُ: قُلْ كَذَبُوا، وَقُلْ لَيْسَ كَمَا قَالُوا فَمَنْ يَمْلِكُ، وَالْمَعْنَى: فَمَنْ يَمْنَعُ مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ وَإِرَادَتِهِ شَيْئًا؟ أَيْ: لَا أَحَدَ يَمْنَعُ مِمَّا أَرَادَ اللَّهُ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ مَنِ ادَّعَوْهُ إِلَهًا مِنَ الْمَسِيحِ وَأُمِّهِ. وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ وَأُمَّهُ عَبْدَانِ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ لَا يَقْدِرَانِ عَلَى رَفْعِ الْهَلَاكِ عَنْهُمَا، بَلْ تَنْفُذُ فِيهِمَا إرادة الله تعالى، ومن تَنْفُذُ فِيهِ لَا يَكُونُ إِلَهًا، وَعَطَفَ عَلَيْهِمَا: وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا، عَطْفَ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ لِيَكُونَا قَدْ ذُكِرَا مَرَّتَيْنِ: مَرَّةً بِالنَّصِّ عَلَيْهِمَا،

<<  <  ج: ص:  >  >>