للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التِّيهِ، وَإِنَّمَا خَرَجَ أَبْنَاؤُهُمْ مَعَ حَزْقِيلَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَتْ هِبَةً، ثُمَّ حَرَّمَهَا عَلَيْهِمْ بِعِصْيَانِهِمْ.

وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ أَيْ لَا تَنْكِصُوا عَلَى أَعْقَابِكُمْ مِنْ خَوْفِ الْجَبَابِرَةِ جُبْنًا وَهَلَعًا. وَقِيلَ: حَدَّثَهُمُ النُّقَبَاءُ بِحَالِ الْجَبَابِرَةِ رَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالْبُكَاءِ وَقَالُوا:

لَيْتَنَا مُتْنَا بِمِصْرَ، وَقَالُوا: تَعَالَوْا نَجْعَلْ عَلَيْنَا رَأْسًا يَنْصَرِفُ بِنَا إِلَى مِصْرَ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ:

لَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ، فِي دِينِكُمْ لِمُخَالَفَتِكُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَانْقِلَابِهِمْ خَاسِرِينَ، إِنْ كَانَ الِارْتِدَادُ حَقِيقِيًّا وَهُوَ الرُّجُوعُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي خُرِجَ مِنْهُ فَمَعْنَاهُ: يَصِيرُونَ إِلَى الذُّلِّ بَعْدَ الْعِزِّ وَالْخَلَاصِ مِنْ أَيْدِي الْقِبْطِ. وَإِنْ كَانَ الِارْتِدَادُ مَجَازًا وَهُوَ ارْتِدَادُهُمْ عَنْ دِينِهِمْ فَمَعْنَاهُ:

يَخْسَرُونَ خَيْرَ الدُّنْيَا وَثَوَابَ الْآخِرَةِ. وَحَقِيقٌ بِالْخُسْرَانِ مَنْ خَالَفَ مَا فَرَضَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الْجِهَادِ وَخَالَفَ أَمْرَهُ.

قالُوا يَا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ أَيْ: قَالَ النُّقَبَاءُ الَّذِينَ سَيَّرَهُمْ مُوسَى لِكَشْفِ حَالِ الْجَبَابِرَةِ، أَوْ قَالَ رُؤَسَاؤُهُمُ الَّذِينَ عَادَتُهُمْ أَنْ يُطْلَعُوا عَلَى الْأَسْرَارِ وَأَنْ يُشَاوَرُوا فِي الْأُمُورِ. وَهَذَا الْقَوْلُ فِيهِ بُعْدٌ لِتَقَاعُسِهِمْ عَنِ الْقِتَالِ أَيْ: إِنَّ فِيهَا مَنْ لَا نُطِيقُ قِتَالَهُمْ. قِيلَ:

هُمْ مِنْ بَقَايَا عَادٍ، وَقِيلَ: مِنَ الرُّومِ مِنْ وَلَدِ عِيصَ بْنِ إسحاق. وقرأ ابن السميفع: قَالُوا يَا مُوسَى فِيهَا قَوْمٌ جَبَّارُونَ.

وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها هَذَا تَصْرِيحٌ بِالِامْتِنَاعِ التَّامِّ مِنْ أَنْ يُقَاتِلُوا الْجَبَابِرَةَ، وَلِذَلِكَ كَانَ النَّفْيُ بِلَنْ. وَمَعْنَى حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا: بِقِتَالِ غَيْرِنَا، أَوْ بِسَبَبٍ يُخْرِجُهُمُ اللَّهُ بِهِ فَيَخْرُجُونَ.

فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ وَهَذَا تَوْجِيهٌ مِنْهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ بِخُرُوجِ الْجَبَّارِينَ مِنْهَا، إِذْ عَلَّقُوا دُخُولَهُمْ عَلَى شَرْطٍ مُمْكِنٍ وُقُوعُهُ. وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: لَمْ يَشُكُّوا فِيمَا وَعَدَهُمُ اللَّهُ بِهِ، وَلَكِنْ كَانَ نُكُوصُهُمْ عَنِ الْقِتَالِ مِنْ خَوَرِ الطَّبِيعَةِ وَالْجُبْنِ الَّذِي رَكَّبَهُ اللَّهُ فِيهِمْ، وَلَا يَمْلِكُ ذَلِكَ إِلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ وَقَالَ تَعَالَى: فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ «١» .

وَقِيلَ قَالُوا ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِبْعَادِ أَنْ يَقَعَ خُرُوجُ الْجَبَّارِينَ مِنْهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ.

قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ الْأَشْهَرُ عند


(١) سورة البقرة: ٢/ ٢٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>