للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّهِ فِي التَّوْرَاةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ غَيَّرُوا الرَّجْمَ أَيْ: وَضَعُوا الْجَلْدَ مَكَانَ الرَّجْمِ. وَقَالَ الْحَسَنُ:

يُغَيِّرُونَ مَا يَسْمَعُونَ مِنَ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْكَذِبِ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: بِإِخْفَاءِ صِفَةِ الرَّسُولِ.

وَقِيلَ: بِإِسْقَاطِ الْقَوَدِ بَعْدَ اسْتِحْقَاقِهِ. وَقِيلَ: بِسُوءِ التَّأْوِيلِ. قَالَ الطَّبَرِيُّ: الْمَعْنَى يُحَرِّفُونَ حُكْمَ الْكَلَامِ، فَحُذِفَ لِلْعِلْمِ بِهِ انْتَهَى. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا وَصْفًا لِلْيَهُودِ فَقَطْ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ وَصْفًا لَهُمْ وَلِلْمُنَافِقِينَ فِيمَا يُحَرِّفُونَهُ مِنَ الْأَقْوَالِ عِنْدَ كَذِبِهِمْ، لِأَنَّ مَبَادِئَ كَذِبِهِمْ يَكُونُ مِنْ أَشْيَاءَ قِيلَتْ وَفُعِلَتْ، وَهَذَا هُوَ الْكَذِبُ الَّذِي يَقْرُبُ قَبُولُهُ. وَمَعْنَى مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ: قَالَ الزَّجَّاجُ مِنْ بَعْدِ أَنْ وَضَعَهُ اللَّهُ مَوَاضِعَهُ، فَأَحَلَّ حَلَالَهُ وَحَرَّمَ حَرَامَهُ.

يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ الْإِشَارَةُ بِهَذَا قِيلَ: إِلَى التَّحْمِيمِ وَالْجَلْدِ فِي الزِّنَا.

وَقِيلَ: إِلَى قَبُولِ الدِّيَةِ فِي أَمْرِ الْقَتْلِ. وَقِيلَ: عَلَى إِبْقَاءِ عِزَّةِ النَّضِيرِ عَلَى قُرَيْظَةَ، وَهَذَا بِحَسَبِ الِاخْتِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ فِي سَبَبِ النُّزُولِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: إِنْ أُوتِيتُمْ، هَذَا الْمُحَرَّفَ الْمُزَالَ عَنْ مَوَاضِعِهِ فَخُذُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّهُ الْحَقُّ، وَاعْمَلُوا بِهِ انْتَهَى. وَهُوَ رَاجِعٌ لِوَاحِدٍ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ، وَالْفَاعِلُ الْمَحْذُوفُ هُوَ الرَّسُولُ أَيْ: إِنْ أَتَاكُمُ الرَّسُولُ هَذَا.

وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا أَيْ: وَإِنْ أَفْتَاكُمْ مُحَمَّدٌ بِخِلَافِهِ فَاحْذَرُوا وَإِيَّاكُمْ مِنْ قَبُولِهِ فَهُوَ الْبَاطِلُ وَالضَّلَالُ. وَقِيلَ: فَاحْذَرُوا أن تعلموه بقوله السديد. وَقِيلَ: أَنْ تُطْلِعُوهُ عَلَى مَا فِي التَّوْرَاةِ فَيَأْخُذَكُمْ بِالْعَمَلِ بِهِ. وَقِيلَ: فَاحْذَرُوا أَنْ تَسْأَلُوهُ بَعْدَهَا، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ: فَخُذُوهُ. فَالْمَعْنَى: وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ وَأَتَاكُمْ بِغَيْرِهِ فَاحْذَرُوا قَبُولَهُ.

وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: فِتْنَتَهُ أَيْ عَذَابَهُ بِالنَّارِ. وَمِنْهُ يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ أَيْ يُعَذَّبُونَ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: فَضِيحَتَهُ. وَقِيلَ: اخْتِبَارَهُ لِمَا يَظْهَرُ بِهِ أَمْرُهُ. وَقِيلَ: إِهْلَاكَهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ: كُفْرَهُ وَإِضْلَالَهُ، يُقَالُ: فَتَنَهُ عَنْ دِينِهِ صَرَفَهُ عَنْهُ، وَأَصْلُهُ فَلَنْ يَقْدِرَ عَلَى دَفْعِ مَا يُرِيدُ اللَّهُ مِنْهُ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ تَرْكَهُ مَفْتُونًا وَخِذْلَانَهُ، فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ مِنْ لُطْفِ اللَّهِ وَتَوْفِيقِهِ شَيْئًا انْتَهَى. وَهَذَا عَلَى طَرِيقَةِ الِاعْتِزَالِ. وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ جَاءَتْ تَسْلِيَةً لِلرَّسُولِ وَتَخْفِيفًا عَنْهُ مِنْ ثِقَلِ حُزْنِهِ عَلَى مُسَارَعَتِهِمْ فِي الْكُفْرِ. وَقَطْعًا لِرَجَائِهِ مِنْ فَلَاحِهِمْ.

أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ أَيْ سَبَقَ لَهُمْ فِي عِلْمِ اللَّهِ ذَلِكَ، وَأَنْ يَكُونُوا مُدَنَّسِينَ بِالْكُفْرِ. وَفِي هَذَا وَمَا قَبْلَهُ رَدٌّ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ:

أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَمْنَحَهُمْ مِنْ أَلْطَافِهِ مَا يُطَهِّرُ بِهِ قُلُوبَهُمْ، لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>