للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّصَارَى. وَكَأَنَّهُ خَصَّصَ كُلَّ عَامٍّ مِنْهَا بِمَا تَلَاهُ، إِذْ قَبْلَ الْأُولَى: فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ «١» ووَ إِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ «٢» وكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ «٣» ويَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ «٤» وَقَبْلَ الثَّانِيَةِ: وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها «٥» وَقَبْلَ الثَّالِثَةِ: وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ «٦» الْآيَةَ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَمَنْ لَمْ يحكم بما أنزل الله مُسْتَهِينًا بِهِ، فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ وَالظَّالِمُونَ وَالْفَاسِقُونَ، وَصْفٌ لَهُمْ بِالْعُتُوِّ فِي كُفْرِهِمْ حِينَ ظَلَمُوا آيَاتِ اللَّهِ بِالِاسْتِهْزَاءِ وَالِاسْتِهَانَةِ وَتَمَرَّدُوا بِأَنْ حَكَمُوا بِغَيْرِهَا انْتَهَى. وَقَالَ السُّدِّيُّ: مَنْ خَالَفَ حُكْمَ اللَّهِ وَتَرَكَهُ عَامِدًا وَتَجَاوَزَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ، فَهُوَ مِنَ الْكَافِرِينَ حَقًّا، وَيُحْمَلُ هَذَا عَلَى الْجُحُودِ، فَهُوَ الْكُفْرُ ضِدُّ الْإِيمَانِ كَمَا قَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ. وَاحْتَجَّتِ الْخَوَارِجُ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى فَهُوَ كَافِرٌ، وَقَالُوا: هِيَ نَصٌّ فِي كُلِّ مَنْ حَكَمَ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَهُوَ كَافِرٌ، وَكُلُّ مَنْ أَذْنَبَ فَقَدْ حَكَمَ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَافِرًا. وَأُجِيبُوا: بِأَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ، فَتَكُونُ مُخْتَصَّةً بِهِمْ. وَضُعِّفَ بِأَنَّ الْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: تَقْدِيرُهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ سَبَقَ ذِكْرُهُمْ قَبْلُ، وَهَذَا ضَعِيفٌ، لِأَنَّ مَنْ شَرْطٌ وَهِيَ عَامٌّ، وَزِيَادَةُ مَا قُدِّرَ زِيَادَةٌ فِي النَّقْصِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ. وَقِيلَ:

الْمُرَادُ كُفْرُ النِّعْمَةِ، وَضُعِّفَ بِأَنَّ الْكُفْرَ إِذَا أُطْلِقَ انْصَرَفَ إِلَى الْكُفْرِ فِي الدِّينِ. وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: فَعَلَ فِعْلًا يُضَاهِي أَفْعَالَ الْكُفَّارِ، وَضُعِّفَ بِأَنَّهُ عُدُولٌ عَنِ الظَّاهِرِ. وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى الْكِنَانِيُّ: مَا أَنْزَلَ صِيغَةُ عُمُومٍ، فَالْمَعْنَى: مَنْ أَتَى بِضِدِّ حُكْمِ اللَّهِ فِي كُلِّ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ، وَالْفَاسِقُ لَمْ يَأْتِ بِضِدِّ حُكْمِ اللَّهِ إِلَّا فِي الْقَلِيلِ وَهُوَ الْعَمَلُ، أَمَّا فِي الِاعْتِقَادِ وَالْإِقْرَارِ فَهُوَ مُوَافِقٌ. وَضُعِّفَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَتَنَاوَلْ هَذَا الْوَعِيدُ الْيَهُودَ بِسَبَبِ مُخَالَفَتِهِمْ حُكْمَ اللَّهِ فِي وَاقِعَةِ الرَّجْمِ، فَدَلَّ على سقوط هَذَا. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: إِنَّمَا يَتَنَاوَلُ مَنْ أَنْكَرَ بِقَلْبِهِ وَجَحَدَ بِلِسَانِهِ، أَمَّا مَنْ عَرَفَ أَنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ وَأَقَرَّ بِلِسَانِهِ أَنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ، إِلَّا أَنَّهُ أَتَى بِمَا يُضَادُّ، فَهُوَ حَاكِمٌ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ، لَكِنَّهُ تَارِكٌ لَهُ، فَلَا يَلْزَمُ دُخُولُهُ تَحْتَ هَذِهِ الْآيَةِ.

وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ مُنَاسَبَةُ هَذِهِ الْآيَةِ لِمَا قَبْلَهَا أَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ في التوراة أن


(١) سورة المائدة: ٥/ ٤٢.
(٢) سورة المائدة: ٥/ ٤٢.
(٣) سورة المائدة: ٥/ ٤٣.
(٤) سورة المائدة: ٥/ ٤٤.
(٥) سورة المائدة: ٥/ ٤٥.
(٦) سورة المائدة: ٥/ ٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>