حُكْمَ الزَّانِي الْمُحْصَنِ الرَّجْمُ، وَغَيَّرَهُ الْيَهُودُ، وَبَيَّنَ هُنَا أَنَّ فِي التَّوْرَاةِ: إِنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَغَيَّرَهُ الْيَهُودُ أَيْضًا، فَفَضَّلُوا بَنِي النَّضِيرِ عَلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، وَخَصُّوا إِيجَابَ الْقَوَدِ عَلَى بَنِي قُرَيْظَةَ دُونَ بَنِي النَّضِيرِ. وَمَعْنَى وَكَتَبْنَا: فَرَضْنَا. وَقِيلَ: قُلْنَا وَالْكِتَابَةُ بِمَعْنَى الْقَوْلِ وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ الْكِتَابَةُ حَقِيقَةً، وَهِيَ الْكِتَابَةُ فِي الْأَلْوَاحِ، لِأَنَّ التَّوْرَاةَ مَكْتُوبَةٌ فِي الْأَلْوَاحِ، وَالضَّمِيرُ فِي فِيهَا عَائِدٌ عَلَى التَّوْرَاةِ، وَفِي: عَلَيْهِمْ، عَلَى الَّذِينَ هَادُوا. وَقَرَأَ نَافِعٌ، وَحَمْزَةُ، وَعَاصِمٌ:
بِنَصْبِ، وَالْعَيْنَ وَمَا بَعْدَهَا مِنَ الْمَعَاطِيفِ عَلَى التَّشْرِيكِ فِي عَمَلِ أَنَّ النَّصْبَ، وَخَبَرُ أَنَّ هُوَ الْمَجْرُورُ، وَخَبَرُ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ. وَقَدَّرَ أَبُو عَلِيٍّ الْعَامِلَ فِي الْمَجْرُورِ مَأْخُوذٌ بِالنَّفْسِ إِلَى آخَرِ الْمَجْرُورَاتِ، وَقَدَّرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ أَوَّلًا: مَأْخُوذَةٌ بِالنَّفْسِ مَقْتُولَةٌ بِهَا إِذَا قَتَلَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ، وَكَذَلِكَ الْعَيْنُ مفقوأة بِالْعَيْنِ، وَالْأَنْفُ مَجْدُوعٌ بِالْأَنْفِ، وَالْأُذُنُ مَأْخُوذَةٌ مَقْطُوعَةٌ بِالْأُذُنِ، وَالسِّنُّ مَقْلُوعَةٌ بِالسِّنِّ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ الزَّمَخْشَرِيِّ: مقتولة ومفقوأة ومجدوع مقطوعة عَلَى أَنَّهُ تَفْسِيرَ الْمَعْنَى لَا تَفْسِيرَ الْإِعْرَابِ، لِأَنَّ الْمَجْرُورَ إِذَا وَقَعَ خَبَرًا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ فِيهِ كَوْنًا مُطْلَقًا، لَا كَوْنًا مُقَيَّدًا. وَالْبَاءُ هُنَا بَاءُ الْمُقَابَلَةِ وَالْمُعَاوَضَةِ، فَقَدَّرَ مَا يَقْرُبُ مِنَ الْكَوْنِ الْمُطْلَقِ وَهُوَ مَأْخُوذٌ. فَإِذَا قُلْتَ: بِعْتُ الشَّاءَ شَاةً بِدِرْهَمٍ، فَالْمَعْنَى مَأْخُوذٌ بِدِرْهَمٍ، وَكَذَلِكَ الْحُرُّ بِالْحُرِّ، وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ. التَّقْدِيرُ: الْحُرُّ مَأْخُوذٌ بِالْحُرِّ، وَالْعَبْدُ مَأْخُوذٌ بِالْعَبْدِ. وَكَذَلِكَ هَذَا الثَّوْبُ بِهَذَا الدِّرْهَمِ مَعْنَاهُ مَأْخُوذٌ بِهَذَا الدِّرْهَمِ. وَقَالَ الْحَوْفِيُّ: بِالنَّفْسِ يَتَعَلَّقُ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: يَجِبُ، أَوْ يَسْتَقِرُّ. وَكَذَا الْعَيْنُ بِالْعَيْنِ وَمَا بَعْدَهَا مُقَدَّرُ الْكَوْنِ الْمُطْلَقِ، وَالْمَعْنَى:
يَسْتَقِرُّ قَتْلُهَا بِقَتْلِ النَّفْسِ. وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ: بِرَفْعِ وَالْعَيْنُ وَمَا بَعْدَهَا. وَأَجَازَ أَبُو عَلِيٍّ فِي تَوْجِيهِ الرَّفْعِ وُجُوهًا. الْأَوَّلُ: أَنَّ الْوَاوُ عَاطِفَةً جُمْلَةً عَلَى جُمْلَةٍ، كَمَا تَعْطِفُ مُفْرَدًا عَلَى مُفْرَدٍ، فَيَكُونُ وَالْعَيْنُ بِالْعَيْنِ جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةٍ فِعْلِيَّةٍ وَهِيَ: وَكَتَبْنَا، فَلَا تَكُونُ تِلْكَ الْجُمَلُ مُنْدَرِجَةً تَحْتَ كَتَبْنَا مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ، وَلَا مِنْ حَيْثُ التَّشْرِيكُ فِي مَعْنَى الْكُتُبِ، بَلْ ذَلِكَ اسْتِئْنَافُ إِيجَابٍ وَابْتِدَاءُ تَشْرِيعٍ. الثَّانِي: أَنَّ الْوَاوُ عَاطِفَةً جُمْلَةً عَلَى الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ:
إن النفس بالنفس، أَيْ: قُلْ لَهُمُ النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَهَذَا الْعَطْفُ هُوَ مِنَ الْعَطْفِ عَلَى التَّوَهُّمِ، إِذْ يُوهِمُ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ، إِنَّهُ النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالْجُمَلُ مُنْدَرِجَةُ تَحْتَ الْكَتْبِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، لَا مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ. الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ عَاطِفَةً مُفْرَدًا عَلَى مُفْرَدٍ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ: وَالْعَيْنُ مَعْطُوفًا عَلَى الضَّمِيرِ الْمُسْتَكِنِ فِي الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ، أَيْ بِالنَّفْسِ هِيَ وَالْعَيْنِ وَكَذَلِكَ مَا بَعْدَهَا. وَتَكُونُ الْمَجْرُورَاتُ عَلَى هَذَا أَحْوَالًا مُبَيِّنَةً لِلْمَعْنَى، لِأَنَّ الْمَرْفُوعَ عَلَى هَذَا فَاعِلٌ، إِذْ عُطِفَ عَلَى فَاعِلٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute