وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ الْأَخِيرَانِ ضَعِيفَانِ: لِأَنَّ الْأَوَّلَ مِنْهُمَا هُوَ الْمَعْطُوفُ عَلَى التَّوَهُّمِ، وَهُوَ لَا يَنْقَاسُ، إِنَّمَا يُقَالُ مِنْهُ مَا سُمِعَ. وَالثَّانِي مِنْهُمَا فِيهِ الْعَطْفُ عَلَى الضَّمِيرِ الْمُتَّصِلِ الْمَرْفُوعِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَرْفِ الْعَطْفِ، وَلَا بَيْنَ حَرْفِ الْعَطْفِ وَالْمَعْطُوفِ بِلَا، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ إِلَّا فِي الضَّرُورَةِ، وَفِيهِ لُزُومُ هَذِهِ الْأَحْوَالِ. وَالْأَصْلُ فِي الْحَالِ أَنْ لَا تَكُونَ لَازِمَةً. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الرَّفْعُ لِلْعَطْفِ عَلَى مَحَلِّ: أَنَّ النَّفْسَ، لِأَنَّ الْمَعْنَى:
وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمُ النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، إِمَّا لِإِجْرَاءِ كَتَبْنَا مُجْرَى قُلْنَا، وَإِمَّا أَنَّ مَعْنَى الْجُمْلَةِ الَّتِي هِيَ قَوْلُكَ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، مِمَّا يَقَعُ عَلَيْهِ الْكَتْبُ كَمَا تقع عليه القراءة تقول: كَتَبْتُ الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَقَرَأْتُ سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا. وَكَذَلِكَ قَالَ الزَّجَّاجُ: لَوْ قُرِئَ أَنَّ النَّفْسَ لَكَانَ صَحِيحًا انْتَهَى. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ هُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ تَوْجِيهِ أَبِي عَلِيٍّ، إِلَّا أَنَّهُ خَرَجَ عَنِ الْمُصْطَلَحِ فِيهِ، وَهُوَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يُسَمَّى عَطْفًا عَلَى الْمَحَلِّ، لِأَنَّ الْعَطْفَ عَلَى الْمَحَلِّ هُوَ الْعَطْفُ عَلَى الْمَوْضِعِ، وَهَذَا لَيْسَ مِنَ الْعَطْفِ عَلَى الْمَوْضِعِ، لِأَنَّ الْعَطْفَ عَلَى الْمَوْضِعِ هُوَ مَحْصُورٌ وَلَيْسَ هَذَا مِنْهُ، وَإِنَّمَا هُوَ عَطْفٌ عَلَى التَّوَهُّمِ. أَلَا تَرَى أَنَّا لَا نَقُولُ إِنَّ قوله: إن النفس بالنفس فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، لِأَنَّ طَالِبَ الرَّفْعِ مَفْقُودٌ، بَلْ نَقُولُ: إِنَّ الْمَصْدَرَ الْمُنْسَبِكَ مِنْ أَنِ وَاسْمِهَا وَخَبَرِهَا لَفْظُهُ وَمَوْضِعُهُ وَاحِدٌ وَهُوَ النَّصْبُ، وَالتَّقْدِيرُ: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، إِمَّا لِإِجْرَاءِ كَتَبْنَا مُجْرَى قُلْنَا، فَحُكِيَتْ بِهَا الْجُمْلَةُ: وَإِمَّا لِأَنَّهُمَا مِمَّا يَصْلُحُ أَنْ يَتَسَلَّطَ الْكَتْبُ فِيهَا نَفْسُهُ عَلَى الْجُمْلَةِ لِأَنَّ الْجُمَلَ مِمَّا تُكْتَبُ كَمَا تُكْتَبُ الْمُفْرَدَاتُ، وَلَا نَقُولُ: إِنَّ مَوْضِعَ أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَقَعَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ.
وَقَرَأَ الْعَرَبِيَّانِ وَابْنُ كَثِيرٍ: بِنَصْبِ وَالْعَيْنَ، وَالْأَنْفَ، وَالْأُذُنَ، وَالسِّنَّ، وَرَفْعِ وَالْجُرُوحُ.
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ: نَافِعٍ. وَوَجَّهَ أَبُو عَلِيٍّ: رَفْعَ وَالْجُرُوحُ عَلَى الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي رَفْعِ وَالْعَيْنُ وَمَا بَعْدَهَا.
وَرَوَى أَنَسٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قَرَأَ أَنِ النَّفْسُ بِتَخْفِيفِ أَنَّ، وَرَفْعِ الْعَيْنِ وَمَا بَعْدَهَا
فَيَحْتَمِلُ أَنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً مُخَفَّفَةً مِنْ أَنَّ، وَاسْمُهَا ضَمِيرُ الشَّأْنِ وَهُوَ مَحْذُوفٌ، وَالْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ خَبَرِ أَنْ فَمَعْنَاهَا مَعْنَى الْمُشَدَّدَةِ الْعَامِلَةِ فِي كَوْنِهَا مَصْدَرِيَّةً. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ أَنْ تَفْسِيرِيَّةً التَّقْدِيرُ أَيِ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، لِأَنَّ كَتَبْنَا جُمْلَةٌ فِي مَعْنَى الْقَوْلِ. وَقَرَأَ أُبَيٌّ بِنَصْبِ النَّفْسِ، وَالْأَرْبَعَةِ بَعْدَهَا. وَقَرَأَ: وَأَنِ الْجُرُوحُ قِصَاصٌ بِزِيَادَةِ أَنِ الْخَفِيفَةِ، وَرَفْعِ الْجُرُوحِ. وَيَتَعَيَّنُ فِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ أَنْ تَكُونَ الْمُخَفَّفَةَ مِنَ الثَّقِيلَةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ التَّفْسِيرِيَّةَ مِنْ حَيْثُ الْعَطْفُ، لِأَنَّ كَتَبْنَا تَكُونُ عَامِلَةً مِنْ حَيْثُ الْمُشَدَّدَةُ غَيْرَ عَامِلَةٍ مِنْ حَيْثُ التَّفْسِيرِيَّةُ، فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي التَّشْرِيكَ، فَإِذَا لَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute