وَعَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ تَقَدَّمَ فِي الْبَقَرَةِ تَفْسِيرُ مِثْلِ هَذِهِ الْآيَةِ.
وَقَرَأَ عُثْمَانُ، وَأُبَيٌّ وَعَائِشَةُ، وَابْنُ جُبَيْرٍ، وَالْجَحْدَرِيُّ: وَالصَّابِئِينَ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَبِهَا قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ، وَالزُّهْرِيُّ: والصابئون بِكَسْرِ الْبَاءِ وَضَمِّ الْيَاءِ، وَهُوَ مِنْ تَخْفِيفِ الْهَمْزِ كَقِرَاءَةِ: يَسْتَهْزِئُونَ. وَقَرَأَ الْقُرَّاءُ السَّبْعَةُ: وَالصَّابِئُونَ بِالرَّفْعِ، وَعَلَيْهِ مَصَاحِفُ الْأَمْصَارِ، وَالْجُمْهُورُ. وَفِي تَوْجِيهِ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ وَالْخَلِيلِ وَنُحَاةِ الْبَصْرَةِ:
أَنَّهُ مَرْفُوعٌ بِالِابْتِدَاءِ، وَهُوَ مَنَوِيٌّ بِهِ التَّأْخِيرُ، وَنَظِيرُهُ: إِنَّ زَيْدًا وعمرو قائم، التقدير: إِنَّ زَيْدًا قَائِمٌ وَعَمْرٌو قَائِمٌ، فَحُذِفَ خَبَرُ عَمْرٍو لِدَلَالَةِ خَبَرِ إِنَّ عَلَيْهِ، وَالنِّيَّةُ بِقَوْلِهِ: وَعَمْرٌو، التَّأْخِيرُ. وَيَكُونُ عَمْرٌو قَائِمٌ بِخَبَرِهِ هَذَا الْمُقَدَّرِ مَعْطُوفًا عَلَى الْجُمْلَةِ مِنْ إِنَّ زَيْدًا قَائِمٌ، وَكِلَاهُمَا لَا مَوْضِعَ لَهُ مِنَ الْإِعْرَابِ. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَوْضِعِ اسْمِ إِنَّ لِأَنَّهُ قَبْلَ دُخُولِ إِنَّ كَانَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْكِسَائِيِّ وَالْفَرَّاءِ. أَمَّا الْكِسَائِيُّ فَإِنَّهُ أَجَازَ رَفْعَ الْمَعْطُوفِ عَلَى الْمَوْضِعِ سَوَاءٌ كَانَ الِاسْمُ مِمَّا خَفِيَ فِيهِ الْإِعْرَابُ، أَوْ مِمَّا ظَهَرَ فِيهِ. وَأَمَّا الْفَرَّاءُ فَإِنَّهُ أَجَازَ ذَلِكَ بِشَرْطِ خَفَاءِ الْإِعْرَابِ. وَاسْمُ إِنَّ هُنَا خَفِيَ فِيهِ الْإِعْرَابُ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ مَرْفُوعٌ مَعْطُوفٌ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَرْفُوعِ فِي هَادُوا: وَرُوِيَ هَذَا عَنِ الْكِسَائِيِّ. وَرُدَّ بِأَنَّ الْعَطْفَ عَلَيْهِ يَقْتَضِي أَنَّ الصَّابِئِينَ تَهَوَّدُوا، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ. الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنْ تَكُونَ إِنَّ بِمَعْنَى نَعَمْ حَرْفُ جَوَابٍ، وَمَا بَعْدَهُ مَرْفُوعٌ بِالِابْتِدَاءِ، فَيَكُونُ وَالصَّابِئُونَ مَعْطُوفًا عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنَ الْمَرْفُوعِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ. لِأَنَّ ثُبُوتَ أَنَّ بِمَعْنَى نَعَمْ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ النَّحْوِيِّينَ، وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِ ذَلِكَ مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ فَتَحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ يَتَقَدَّمُهَا يَكُونُ تَصْدِيقًا لَهُ، وَلَا تَجِيءُ ابْتِدَائِيَّةً أَوَّلَ الْكَلَامِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ جَوَابًا لِكَلَامٍ سَابِقٍ. وَقَدْ أَطَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي تَقْدِيرِ مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ وَنُصْرَتِهِ، وَذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي عِلْمِ النَّحْوِ، وَأَوْرَدَ أَسْئِلَةً وَجَوَابَاتٍ فِي الْآيَةِ إِعْرَابِيَّةً تَقَدَّمَ نَظِيرُهَا فِي الْبَقَرَةِ. وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادَوْا وَالصَّابِئُونَ.
لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَأَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلًا هَذَا إِخْبَارٌ بِمَا صَدَرَ مِنْ أَسْلَافِ الْيَهُودِ مِنْ نَقْضِ الْمِيثَاقِ الَّذِي أَخَذَهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ، وَمَا اجْتَرَحُوهُ مِنَ الْجَرَائِمِ الْعِظَامِ مِنْ تَكْذِيبِ الْأَنْبِيَاءِ وَقَتْلِ بَعْضِهِمْ، وَالَّذِينَ هُمْ بِحَضْرَةِ الرَّسُولِ هُمْ أَخْلَافُ أُولَئِكَ، فَغَيْرُ بِدْعٍ مَا يَصْدُرُ مِنْهُمْ لِلرَّسُولِ مِنَ الْأَذَى وَالْعِصْيَانِ، إِذْ ذَاكَ شِنْشِنَةٌ مِنْ أَسْلَافِهِمْ.
كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لَا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ مِثْلِ هَذَا فِي الْبَقَرَةِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ هُنَا: (فَإِنْ قُلْتَ) : أَيْنَ جَوَابُ الشَّرْطِ؟ فَإِنَّ قَوْلَهُ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ نَابَ عَنِ الْجَوَابِ، لِأَنَّ الرَّسُولَ الْوَاحِدَ لَا يَكُونُ فَرِيقَيْنِ، وَلِأَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute