للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ الطَّبَرِيُّ مَعْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَيْثُ لَا يَرَى الْعَبْدُ رَبَّهُ فَهُوَ غَائِبٌ عَنْهُ، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَعْنَى بِالْغَيْبِ مِنَ النَّاسِ أَيْ فِي الْخَلْوَةِ مَنْ خَافَ اللَّهَ انْتَهَى. عَنِ الصَّيْدِ مِنْ ذَاتِ نَفْسِهِ انْتَهَى. وَقَرَأَ الزُّهْرِيُّ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مِنْ أَعْلَمَ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ أَيْ لِيُعْلِمَ عِبَادَهُ انْتَهَى. فَيَكُونُ مِنْ أَعْلَمَ الْمَنْقُولَةِ مِنْ عَلَّمَ الْمُتَعَدِّيَةِ إِلَى وَاحِدٍ تَعَدِّي عَرَفَ فَحُذِفَ الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ وَهُوَ عِبَادُهُ لِدَلَالَةِ الْمَعْنَى عَلَيْهِ وَبَقِيَ الْمَفْعُولُ الثَّانِي وَهُوَ مَنْ يَخافُهُ.

فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ الْمَعْنَى فَمَنِ اعْتَدَى بِالْمُخَالَفَةِ فَصَادَ وَذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى النَّهْيِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ مَعْنَى الْكَلَامِ السَّابِقِ وَتَقْدِيرُهُ فَلَا يَصِيدُوا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ.

فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ قِيلَ فِي الْآخِرَةِ. وَقِيلَ فِي الدُّنْيَا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُوسَعُ بَطْنُهُ وَظَهْرُهُ جَلْدًا وَيُسْلَبُ ثِيَابُهُ.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ الَّذِينَ آمَنُوا عَامٌّ وَصَرَّحَ هُنَا بِالنَّهْيِ عَنْ قَتْلِ الصَّيْدِ فِي حَالِ كَوْنِهِمْ حُرُمًا وَالْحُرُمُ جَمْعُ حَرَامٍ وَالْحَرَامُ الْمُحَرَّمُ وَالْكَائِنُ بِالْحَرَمِ، وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ اللَّفْظَ يُرَادُ بِهِ مَعْنَاهُ اسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ عَلَى مَنْعِ الْمُحْرِمِ وَالْكَائِنِ بِالْحَرَمِ مِنْ قَتْلِ الصَّيْدِ وَمَنْ لَمْ يَذْهَبْ إِلَى ذَلِكَ، قَالَ الْمَعْنَى يُحْرِمُونَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ. وَقِيلَ الْمَعْنَى وَأَنْتُمْ فِي الْحَرَمِ وَالظَّاهِرُ النَّهْيُ عَنْ قَتْلِ الصَّيْدِ وَتَكُونُ الْآيَةُ قَبْلَ هَذِهِ دَلَّتْ بِمَعْنَاهَا عَلَى النَّهْيِ عَنِ الِاصْطِيَادِ فَيُسْتَفَادُ مِنْ مَجْمُوعِ الْآيَتَيْنِ النَّهْيُ عَنِ الِاصْطِيَادِ وَالنَّهْيُ عَنْ قَتْلِ الصَّيْدِ وَالظَّاهِرُ عُمُومُ الصَّيْدِ وَقَدْ خُصَّ هَذَا الْعُمُومُ بِصَيْدِ الْبَرِّ لِقَوْلِهِ: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ. وَقِيلَ وَبِالسُّنَّةِ

بِالْحَدِيثِ الثَّابِتِ «خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ»

فَاقْتَصَرَ عَلَى هَذِهِ الْخَمْسَةِ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَقَاسَ مَالِكٌ عَلَى الْكَلْبِ الْعَقُورِ كُلَّ مَا كَلَبَ عَلَى النَّاسِ وَغَيْرِهِمْ وَرَآهُ دَاخِلًا فِي لَفْظِهِ مِنْ أَسَدٍ وَنَمِرٍ وَفَهِدٍ وَذِئْبٍ وَكُلَّ سَبُعٍ عَادٍ فَقَالَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهَا مُبْتَدِئًا بِهَا لَا هِزَبْرٍ وَثَعْلَبٍ وَضَبُعٍ فَإِنْ قَتَلَهَا فَدَى. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالنَّخَعِيُّ لَا يَقْتُلُ مِنَ السِّبَاعِ إِلَّا مَا عَدَا عَلَيْهِ وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِنْ بَدَأَهُ السَّبُعُ قَتَلَهُ وَلَا فِدْيَةَ وَإِنِ ابْتَدَأَهُ الْمُحْرِمُ فَقَتَلَهُ فَدَى. وَقَالَ مَالِكٌ فِي فِرَاخِ السِّبَاعِ قَبْلَ أَنْ تَفْتَرِسَ لَا يَنْبَغِي لِلْمُحْرِمِ قتلها، وثبت عن عمر أَمْرُهُ الْمُحْرِمِينَ بِقَتْلِ الْحَيَّاتِ وَأَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى إِبَاحَةِ قتلها وثبت عن عمر إِبَاحَةُ قَتْلِ الزُّنْبُورِ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْعَقْرَبِ وَذَوَاتُ السُّمُومِ فِي حُكْمِ الْحَيَّةِ كَالْأَفْعَى وَالرُّتَيْلَا وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>