يَعُودَ مُتَعَمِّدًا عَالِمًا بِإِحْرَامِهِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ بِإِلْزَامِ الْكَفَّارَةِ فَقَطْ وَكُلَّمَا عَادَ فَهُوَ يُكَفِّرُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ كَانَ مُتَعَمِّدًا عَالِمًا بِإِحْرَامِهِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ. وَبِهِ قَالَ شُرَيْحٌ وَالنَّخَعِيُّ وَالْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَابْنُ زَيْدٍ وَدَاوُدُ وظاهر ومَنْ عادَ للعموم أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ شَرْطِيَّةٌ أَوْ مَوْصُولَةٌ تَضَمَّنَتْ مَعْنَى الشَّرْطِ فَتَعُمُّ خِلَافًا لِقَوْمٍ إِذْ زَعَمُوا أَنَّهَا مَخْصُوصَةٌ بِشَخْصٍ بِعَيْنِهِ وَأَسْنَدُوا إِلَى زَيْدِ بْنِ الْعَلَاءِ أَنَّ رَجُلًا أَصَابَ صَيْدًا وَهُوَ مُحْرِمٌ فَتَجَوَّزَ لَهُ ثُمَّ عَادَ فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ نَارًا فَأَحْرَقَتْهُ وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ لَا تَكُونُ هَذِهِ الْقَضِيَّةُ تَخُصُّ عُمُومَ الْآيَةِ إِذْ هَذَا الرَّجُلُ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ الْعُمُومِ ظَهَرَ انْتِقَامُ اللَّهِ مِنْهُ وَالْفَاءُ فِي فَيَنْتَقِمُ جَوَابُ الشَّرْطِ أَوِ الدَّاخِلَةُ عَلَى الْمَوْصُولِ الْمُضَمَّنِ مَعْنَى الشَّرْطِ وَهُوَ عَلَى إِضْمَارِ مُبْتَدَأٍ أَيْ فَهُوَ يَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ.
وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ أَيْ عَزِيزٌ لَا يُغَالَبُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنْتَقِمَ لَمْ يُغَالِبْهُ أَحَدٌ، وَفِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ تَذْكَارٌ بِنِقَمِ اللَّهِ وَتَخْوِيفٌ.
أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ قَالَ الْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي بَنِي مُدْلِجٍ وَكَانُوا يَنْزِلُونَ فِي أَسْيَافِ الْبَحْرِ سَأَلُوا عَمَّا نَضَب عَنْهُ الْمَاءُ مِنَ السَّمَكِ فَنَزَلَتْ، وَالْبَحْرُ هُنَا الْمَاءُ الْكَثِيرُ الْوَاسِعُ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ النَّهْرُ وَالْوَادِي وَالْبِرْكَةُ وَالْعَيْنُ لَا يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ. وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْبَحْرِ هُنَا الْبَحْرُ الْكَبِيرُ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ سَبَبُ النُّزُولِ، وَمَا عَدَاهُ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ. وَأَمَّا طَعَامُهُ فَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ مَا قَذَفَهُ الْبَحْرُ وَطَفَا عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَهَذَا يَنْظُرُ إِلَى
قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» .
وَقَالَ قَتَادَةُ وَابْنُ جُبَيْرٍ وَالنَّخَعِيُّ وَابْنُ الْمُسَيَّبِ وَمُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ صَيْدُهُ طَرِيُّهُ وَطَعَامُهُ الْمَمْلُوحُ مِنْهُ، وَرُوِيَ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ الَّذِي صَارَ مَالِحًا قَدْ كَانَ طَرِيًّا وَصَيْدًا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ فَيَلْزَمُ التَّكْرَارُ، وَقَالَ قَوْمٌ: طَعَامُهُ الْمِلْحُ الَّذِي يَنْعَقِدُ مِنْ مَائِهِ وَسَائِرِ مَا فِيهِ مِنْ نَبَاتٍ وَنَحْوِهِ، وَقَالَ الْحَسَنُ: طَعَامُهُ صَوْبَ سَاحِلِهِ، وَقِيلَ: طَعَامُهُ كُلُّ مَا سَقَاهُ الْمَاءُ فَأَنْبَتَ لِأَنَّهُ نَبَتَ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ، وَقِيلَ: صَيْدُ الْبَحْرِ مَا صِيدَ لِأَكْلٍ وَغَيْرِهِ كَالصَّدَفِ لِأَجْلِ اللُّؤْلُؤِ وَبَعْضِ الْحَيَوَانَاتِ لِأَجْلِ عِظَامِهَا وَأَسْنَانِهَا وَطَعَامُهُ الْمَأْكُولُ مِنْهُ خَاصَّةً عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ وَعَدَمُ تَقْيِيدِ الْحِلِّ يَدُلُّ عَلَى التَّحْلِيلِ لِلْمُحْرِمِ وَالْحَلَالِ وَالصَّيْدُ الْمَصِيدُ وَأُضِيفَ إِلَى الْمَقَرِّ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَحِلُّ أَكْلُ كُلِّ مَا صِيدَ مِنْ أَنْوَاعِ مَخْلُوقَاتِهِ حَتَّى الَّذِي يُسَمَّى خِنْزِيرَ الْمَاءِ وَكَلْبَ الْمَاءِ وَحَيَّةَ الْمَاءِ وَالسَّرَطَانَ وَالضُّفْدَعَ وَهُوَ قَوْلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute