للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَمَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَقَالَ اللَّيْثُ: لَا يُؤْكَلُ خِنْزِيرُ الْمَاءِ وَلَا إِنْسَانُ الْمَاءِ وَتُؤْكَلُ مَيْتَتُهُ وَكَلْبُهُ وَفَرَسُهُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ فِيمَا رَوَى عَنْهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ لَا يُؤْكَلُ مِنْ حَيَوَانِ الْمَاءِ إِلَّا السَّمَكُ وَلَا يُؤْكَلُ طَافِيهِ وَلَا الضُّفْدَعُ وَلَا كَلْبُهُ وَلَا خِنْزِيرُهُ وَقَالَ: هَذِهِ مِنَ الْخَبَائِثِ، قَالَ الرَّازِيُّ: مَا صِيدَ مِنَ الْبَحْرِ حِيتَانٌ وَجَمِيعُ أَنْوَاعِهَا حَلَالٌ وَضَفَادِعُ وَجَمِيعُ أَنْوَاعِهَا حَرَامٌ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا سِوَى هَذَيْنِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: صَيْدُ الْبَحْرِ مَصِيدَاتُ الْبَحْرِ مِمَّا يُؤْكَلُ وَمِمَّا لَا يُؤْكَلُ وَطَعَامُهُ وَمَا يُطْعَمُ مِنْ صَيْدِهِ وَالْمَعْنَى أُحِلَّ لَكُمُ الِانْتِفَاعُ بِجَمِيعِ مَا يُصَادُ فِي الْبَحْرِ وَأُحِلَّ لَكُمْ أَكْلُ الْمَأْكُولِ مِنْهُ وَهُوَ السَّمَكُ وَحْدَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى جَمِيعُ مَا يُصَادُ مِنْهُ عَلَى أَنَّ تَفْسِيرَ الْآيَةِ عِنْدَهُ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ حَيَوَانِ الْبَحْرِ وأن تطعموه انتهى. وَطَعامُهُ بِقَوْلِهِ وَأَنْ تُطْعِمُوهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَيَكُونُ عَلَى قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى الضَّمِيرُ عَائِدًا عَلَى صَيْدِ الْبَحْرِ وَالظَّاهِرُ عَوْدُهُ عَلَى الْبَحْرِ وَأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْمَطْعُومُ لَا الْإِطْعَامُ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ظَاهِرُ لَفْظِ وَطَعامُهُ وَقِرَاءَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الحارث وَطُعْمُهُ بِضَمِّ الطَّاءِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ. وَانْتَصَبَ مَتاعاً قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ عَلَى الْمَصْدَرِ وَالْمَعْنَى مَتَّعَكُمْ بِهِ مَتَاعًا تَنْتَفِعُونَ بِهِ وَتَأْتَدِمُونَ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ مَتاعاً لَكُمْ مَفْعُولٌ لَهُ أَيْ أُحِلَّ لَكُمْ تَمْتِيعًا لَكُمْ وَهُوَ فِي الْمَفْعُولِ لَهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً «١» فِي بَابِ الْحَالِ لِأَنَّ قَوْلَهُ مَتاعاً لَكُمْ مَفْعُولٌ لَهُ مُخْتَصٌّ بِالطَّعَامِ كَمَا أَنَّ نافِلَةً حَالٌ مُخْتَصَّةٌ بِيَعْقُوبَ يَعْنِي أُحِلَّ لَكُمْ طَعَامُهُ تَمْتِيعًا تَأْكُلُونَهُ طَرِيًّا وَلِسَيَّارَتِكُمْ يَتَزَوَّدُونَهُ قَدِيدًا كَمَا تَزَوَّدَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي مَسِيرِهِ إِلَى الْخَضِرِ انْتَهَى. وَتَخْصِيصُهُ المفعول له بقوله: وَطَعاماً جَارٍ عَلَى مَذْهَبِهِ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّ صَيْدَ الْبَحْرِ مِنْهُ مَا يُؤْكَلُ وَمَا لَا يُؤْكَلُ وَأَنَّ قَوْلَهُ وَطَعَامُهُ هُوَ الْمَأْكُولُ مِنْهُ وَأَنَّهُ لَا يَقَعُ التَّمْتِيعُ إِلَّا بِالْمَأْكُولِ مِنْهُ طَرِيًّا وَقَدِيدًا وَعَلَى مَذْهَبِ غَيْرِهِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا لَهُ بِاعْتِبَارِ صَيْدِ الْبَحْرِ وَطَعَامِهِ، وَالْخِطَابُ فِي لَكُمْ لِحَاضِرِي الْبَحْرِ وَمُدُنِهِ وَالسَّيَّارَةُ الْمُسَافِرُونَ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْخِطَابُ لِأَهْلِ الْقُرَى وَالسَّيَّارَةُ، أهل الأمصار وكأنه يريد أهل قرى البحر والسيارة من أهل الأمصار غير أهل تلك القرى يجلبونه إلى أَهْلُ الْأَمْصَارِ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ فِي أَنَّهُ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُقِيمُ وَالْمُسَافِرُ وَالْبَادِي وَالْحَاضِرُ وَالطَّرِيُّ وَالْمَمْلُوحُ.

وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الصَّيْدَ عَلَى الْمُحْرِمِ بِقَوْلِهِ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا «٢» وَبِقَوْلِهِ لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ «٣» بِهَذِهِ الْآيَةِ وَكَرَّرَ ذَلِكَ تَغْلِيظًا لِحُكْمِهِ

وَالظَّاهِرُ تَحْرِيمُ صَيْدِ الْبَرِّ على المحرم من


(١) سورة الأنعام ٦/ ٨٤.
(٢) سورة المائدة: ٥/ ٢.
(٣) سورة المائدة ٥/ ٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>