للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَمِيعِ الْجِهَاتِ صِيدَ وَلِكُلِّ مَنْ صِيدَ مِنْ أَجْلِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ أَجْلِهِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ

وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ وَطَاوُسٍ وَابْنِ جُبَيْرٍ وَأَبِي الشَّعْثَاءِ وَالثَّوْرِيِّ وَإِسْحَاقَ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَطَاءٍ وَابْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُمْ أَجَازُوا لِلْمُحْرِمِ أَكْلَ مَا صَادَهُ الْحَلَالُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِحَلَالٍ مِثْلِهِ، وَقَالَ آخَرُونَ يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ أَنْ يَصِيدَ فَأَمَّا إِنِ اشْتَرَاهُ مِنْ مَالِكٍ لَهُ فَذَبَحَهُ وَأَكَلَهُ فَلَا يَحْرُمُ وَفَعَلَ ذَلِكَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا وَأَحْمَدُ: يَأْكُلُ مَا صَادَهُ الْحَلَالُ إِنْ لَمْ يَصِدْهُ لِأَجْلِهِ فَإِنْ صِيدَ مِنْ أَجْلِهِ فَلَا يَأْكُلُ فَإِنْ أَكَلَ، فَقَالَ مَالِكٌ: عَلَيْهِ الْجَزَاءُ وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ أَكْلُ الْمُحْرِمِ الصَّيْدَ جَائِزٌ إِذَا اصْطَادَهُ الْحَلَالُ وَلَمْ يَأْمُرِ الْمُحْرِمُ بِصَيْدِهِ وَلَا دَلَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (فَإِنْ قُلْتَ) : مَا يَصْنَعُ أَبُو حَنِيفَةَ بِعُمُومِ قَوْلِهِ صَيْدُ الْبَرِّ، (قُلْتُ) : قَدْ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ بِالْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ صَيْدُ الْمُحْرِمِينَ دُونَ صَيْدِ غَيْرِهِمْ فَكَأَنَّهُ قِيلَ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ مَا صِدْتُمْ فِي الْبَحْرِ فَيَخْرُجُ مِنْهُ مَصِيدُ غَيْرِهِمْ وَمَصِيدُهُمْ حِينَ كَانُوا غَيْرَ مُحْرِمِينَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ. انْتَهَى. وَهَذِهِ مُكَابَرَةٌ مِنَ الزَّمَخْشَرِيِّ فِي الظَّاهِرِ بَلِ الظَّاهِرُ فِي قَوْلِهِ صَيْدُ الْبَرِّ الْعُمُومُ سَوَاءٌ صَادَهُ الْمُحْرِمُ أَمِ الْحَلَالُ. وقرأ ابن عباس وحرم مبنيّا للفاعل وصيد بِالنَّصْبِ مَا دُمْتُمْ حُرُماً بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالرَّاءِ. وَقَرَأَ يَحْيَى مَا دُمْتُمْ بِكَسْرِ الدَّالِ وَهِيَ لُغَةٌ يُقَالُ دِمْتَ تَدَامُ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ مَا لَا زَوَالَ لَهُ مِنَ الْبَحْرِ أَنَّهُ صَيْدُ بَحْرٍ وَمِنَ الْبَرِّ أَنَّهُ صَيْدُ بَرٍّ وَاخْتُلِفَ فِيمَا يَكُونُ فِي أَحَدِهِمَا وَقَدْ يَحْيَا فِي الْآخَرِ، فَقَالَ عَطَاءٌ وَابْنُ جُبَيْرٍ وَأَبُو مِجْلَزٍ وَمَالِكٌ وَغَيْرُهُمْ: هُوَ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ إِنْ قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ فَدَاهُ. وَذَكَرَ أَبُو مِجْلِزٍ مِنْ ذَلِكَ الضُّفْدَعُ وَالسُّلَحْفَاةُ وَالسَّرَطَانُ، وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ يُرَاعَى أَكْثَرُ عَيْشِهِ وَسُئِلَ عَنِ ابْنِ الْمَاءِ أَصَيْدُ بَرٍّ أَمْ بَحْرٍ؟ فَقَالَ حَيْثُ يَكُونُ أَكْثَرَ فَهُوَ مِنْهُ وَحَيْثُ يُفْرِخُ مِنْهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالصَّوَابُ فِي ابْنِ مَاءٍ أَنَّهُ صَيْدُ طَائِرٍ يَرْعَى وَيَأْكُلُ الْحَبَّ. وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ الصَّحِيحُ الْمَنْعُ مِنَ الْحَيَوَانِ الَّذِي يَكُونُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ لِأَنَّهُ تَعَارَضَ فِيهِ دَلِيلُ تَحْرِيمٍ وَدَلِيلُ تَحْلِيلٍ فَيَغْلِبُ دَلِيلُ التَّحْرِيمِ احْتِيَاطًا.

وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ هَذَا فِيهِ تنبيه وتهديد وجاء عَقِيبَ تَحْلِيلٍ وَتَحْرِيمٍ وَذَكَرَ الْحَشْرَ إِذْ فِيهِ يَظْهَرُ من أطاع وعصى.

<<  <  ج: ص:  >  >>