للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ الظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي سَأَلَها عَائِدٌ عَلَى أَشْيَاءَ. وَقَالَ الْحَوْفِيُّ: وَلَا يَتَّجِهُ حَمْلُهُ عَلَى الظَّاهِرِ لَا مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ الْعَرَبِيِّ وَلَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى، أَمَّا مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ فَكَانَ يُعَدَّى بِعَنْ فَكَانَ قَدْ سَأَلَ عَنْهَا كما قال لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ فَعُدِّيَ بِعَنْ، وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فَلِأَنَّ الْمَسْئُولَ عَنْهُ مُخْتَلِفٌ قَطْعًا فِيهِمَا لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ الَّذِي هُوَ مِثْلُ سُؤَالِ مَنْ سَأَلَ أَيْنَ مَدْخَلِي وَمَنْ أَبِي. وَمَنْ سَأَلَ عَنِ الْحَجِّ وَأَيْنَ نَاقَتِي وَمَا فِي بَطْنِ نَاقَتِي غَيْرُ سُؤَالِ الْقَوْمِ الَّذِينَ تَقَدَّمُوا، فَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ الضَّمِيرُ فِي سَأَلَها لَيْسَ بِرَاجِعٍ إِلَى أَشْيَاءَ حَتَّى يَجِبَ تَعْدِيَتُهُ بِعَنْ، وَإِنَّمَا هُوَ رَاجِعٌ إِلَى الْمَسْأَلَةِ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا لَا تَسْئَلُوا يَعْنِي قَدْ سَأَلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ قَوْمٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ ثُمَّ أَصْبَحُوا أَيْ بِمَرْجُوعِهَا كَافِرِينَ، وَذَلِكَ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا يَسْتَفْتُونَ أَنْبِيَاءَهُمْ عَنْ أَشْيَاءَ فَإِذَا أُمِرُوا بِهَا تَرَكُوهَا فَهَلَكُوا.

انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ نَحْوًا مِنْ قَوْلِ الزَّمَخْشَرِيِّ قَالَ: وَمَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ هَذِهِ السُّؤَالَاتِ الَّتِي هِيَ تَعَنُّتَاتٌ وَطَلَبٌ شَطَطٌ وَاقْتِرَاحَاتٌ وَمُبَاحَثَاتٌ قَدْ سَأَلَهَا قَبْلَكُمُ الْأُمَمُ ثُمَّ كَفَرُوا بِهَا.

انْتَهَى. وَلَا يَسْتَقِيمُ مَا قَالَاهُ إِلَّا عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ، فَقَالَ قَدْ سَأَلَ أَمْثَالَهَا أَيْ أَمْثَالَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَوْ أَمْثَالَ هَذِهِ السُّؤَالَاتِ، وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ سَأَلَها بِفَتْحِ السِّينِ وَالْهَمْزَةِ، وَقَرَأَ النَّخَعِيُّ بِكَسْرِ السِّينِ مِنْ غَيْرِ هَمْزٍ يَعْنِي بِالْكَسْرِ وَالْإِمَالَةِ، وَجَعَلَ الْفِعْلَ مِنْ مَادَّةِ سِينٍ وَوَاوٍ وَلَامٍ لَا مِنْ مَادَّةِ سِينٍ وَهَمْزَةٍ وَلَامٍ، وَهُمَا لُغَتَانِ ذَكَرَهُمَا سِيبَوَيْهِ، وَمِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ هُمَا يَتَسَاوَلَانِ بِالْوَاوِ وَإِمَالَةُ النَّخَعِيِّ سَأَلَ مِثْلُ إِمَالَةِ حَمْزَةَ خَافَ. وَالْقَوْمَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هُمْ قَوْمٌ عِيسَى سَأَلُوا الْمَائِدَةَ ثُمَّ كَفَرُوا بِهَا بَعْدَ أَنْ شَرَطَ عَلَيْهِمُ الْعَذَابَ الَّذِي لَا يُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ أَيْضًا هم قَوْمُ مُوسَى سَأَلُوا فِي ذَبْحِ الْبَقَرَةِ وَشَأْنِهَا، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ أَيْضًا هم الَّذِينَ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ «١» ، وَقِيلَ قَوْمُ مُوسَى سَأَلُوا أَنْ يُرِيَهُمُ اللَّهَ جَهْرَةً فَصَارَ ذَلِكَ وَبَالًا عَلَيْهِمْ، وَقِيلَ قَوْمُ صَالِحٍ سَأَلُوا النَّاقَةَ ثُمَّ عَقَرُوهَا بَعْدَ أَنْ دَخَلُوا عَلَى الِاشْتِرَاطِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ «٢» وَبَعْدَ اشْتِرَاطِ الْعَذَابِ عَلَيْهِمْ إِنْ مَسُّوهَا بِسُوءٍ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ كَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَسْأَلُونَ أَنْبِيَاءَهُمْ عَنْ أَشْيَاءَ فَإِذَا أَخْبَرُوهُمْ بِهَا تَرَكُوا قَوْلَهُمْ وَلَمْ يُصَدِّقُوهُمْ فَأَصْبَحُوا بِتِلْكَ الْأَشْيَاءِ كَافِرِينَ، وَقَالَ السُّدِّيُّ كَقُرَيْشٍ فِي سُؤَالِهِمْ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُمُ الصَّفَا ذَهَبًا، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ إِنَّمَا يَتَّجِهُ فِي قُرَيْشٍ مِثَالُ سُؤَالِهِمْ آيَةً فَلَمَّا شُقَّ الْقَمَرُ كَفَرُوا انْتَهَى، وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْقَوْمُ قُرَيْشٌ سَأَلُوا أُمُورًا مُمْتَنِعَةً كَمَا أَخْبَرَ تَعَالَى وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً «٣» وهذا


(١) سورة البقرة: ٢/ ٢٤٦.
(٢) سورة الشعراء: ٢٦/ ١٥٥.
(٣) سورة الإسراء: ١٧/ ٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>