لَا يَسْتَقِيمُ إِلَّا إِنْ أُرِيدَ بِمَنْ قَبْلَهُمْ آبَاؤُهُمُ الَّذِينَ مَاتُوا فِي ابْتِدَاءِ التَّنْزِيلِ، قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ الْعُكْبَرِيُّ مِنْ قَبْلِكُمْ مُتَعَلِّقُ بسألها، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِقَوْمٍ وَلَا حَالًا لِأَنَّ ظَرْفَ الزَّمَانِ لَا يكون صفة للجثة وَلَا حَالًا مِنْهَا وَلَا خَبَرًا عَنْهَا انْتَهَى. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ صَحِيحٌ فِي ظَرْفِ الزَّمَانِ الْمُجَرَّدِ مِنَ الْوَصْفِ أَمَّا إِذَا وُصِفَ فَذَكَرُوا أَنَّهُ يَكُونُ خَبَرًا تَقُولُ نَحْنُ فِي يَوْمٍ طَيِّبٍ وَأَمَّا قَبْلُ وَبَعْدُ فَالْحَقِيقَةُ أَنَّهُمَا وَصْفَانِ فِي الْأَصْلِ فَإِذَا قُلْتَ جَاءَ زَيْدٌ قَبْلَ عَمْرٍو فَالْمَعْنَى جَاءَ زَيْدٌ زَمَانًا أَيْ فِي زَمَانٍ مُتَقَدِّمٍ عَلَى زَمَانِ مَجِيءِ عَمْرٍو، وَلِذَلِكَ صَحَّ أَنْ يَقَعَ صِلَةً لِلْمَوْصُولِ وَلَمْ يُلْحَظْ فِيهِ الوصف وكان ظَرْفَ زَمَانٍ مُجَرَّدًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَقَعَ صِلَةً، قَالَ تَعَالَى: وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ «١» وَلَا يَجُوزُ وَالَّذِينَ الْيَوْمَ وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى هَذَا فِي أَوَّلِ الْبَقَرَةِ وَمَعْنَى ثُمَّ أَصْبَحُوا ثُمَّ صَارُوا وَلَا يُرَادُ أَنَّ كُفْرَهُمْ مُقَيَّدٌ بِالصَّبَاحِ.
مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ مُنَاسَبَةُ هَذِهِ لِمَا قَبْلَهَا أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا نَهَى عَنْ سُؤَالِ مَا لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ وَلَا كَلَّفَهُمْ إِيَّاهُ مَنَعَ مِنَ الْتِزَامِ أُمُورٍ لَيْسَتْ مَشْرُوعَةً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَمَّا سَأَلَ قَوْمٌ عَنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ الَّتِي كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ هَلْ تُلْحَقُ بِأَحْكَامِ الْكَعْبَةِ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُ لَمْ يَشْرَعْ شَيْئًا مِنْهَا، أَوْ لَمَّا ذَكَرَ الْمُحَلَّلَاتِ وَالْمُحَرَّمَاتِ فِي الشَّرْعِ عَادَ إِلَى الْكَلَامِ فِي الْمُحَلَّلَاتِ وَالْمُحَرَّمَاتِ مِنْ غَيْرِ شَرْعٍ،
وَفِي حَدِيثٍ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أن أول مَنْ غَيَّرَ دِينَ إِسْمَاعِيل عَمْرُو بْنُ لُحَيِّ بْنِ قَمَعَةَ بْنِ خِنْدِفَ نَصَبَ الْأَوْثَانَ وَسَيَّبَ السَّائِبَةَ وَبَحَّرَ الْبَحِيرَةَ وَحَمَى الْحَامِيَ» ، وَرَآهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ، وَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ مَلِكَ مَكَّةَ
،
وَرَوَى زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «قَدْ عَرَفْتُ أَوَّلَ مَنْ بَحَّرَ الْبَحِيرَةَ هُوَ رَجُلٌ مِنْ مُدْلِجٍ كَانَتْ لَهُ نَاقَتَانِ فَجَدَعَ آذَانَهُمَا وَحَرَّمَ أَلْبَانَهُمَا وَرُكُوبَ ظُهُورِهِمَا قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ يُؤْذِي أَهْلَ النَّارِ رِيحُ قُصْبِهِ» .
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ يَعْنِي مَا جَعَلَ اللَّهُ مَا شَرَعَ ذَلِكَ وَلَا أَمَرَ بِالتَّبْحِيرِ وَالتَّسْيِيبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ وجَعَلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لَا يَتَّجِهُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى خَلَقَ اللَّهُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا وَلَا هِيَ بِمَعْنَى صَيَّرَ لِعَدَمِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي، وَإِنَّمَا هِيَ بِمَعْنَى مَا سَنَّ وَلَا شَرَعَ، وَلَمْ يَذْكُرِ النَّحْوِيُّونَ فِي مَعَانِي جَعَلَ شَرَعَ، بَلْ ذَكَرُوا أَنَّهَا تَأْتِي بِمَعْنَى خَلَقَ وَبِمَعْنَى أَلْقَى وَبِمَعْنَى صَيَّرَ، وَبِمَعْنَى الْأَخْذِ فِي الْفِعْلِ فَتَكُونُ مِنْ أَفْعَالِ الْمُقَارَبَةِ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ بِمَعْنَى سَمَّى وَقَدْ جَاءَ حَذْفُ أَحَدِ مَفْعُولَيْ ظَنَّ وَأَخَوَاتِهَا إِلَّا أَنَّهُ قَلِيلٌ وَالْحَمْلُ عَلَى مَا سُمِعَ أَوْلَى مِنْ إِثْبَاتِ مَعْنًى لَمْ يثبت في
(١) سورة البقرة: ٢/ ٢١.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute