للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالنَّاسِخُ قَوْلَهُ: مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ «١» وَقَوْلُهُ: وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ «٢» وَزَعَمُوا أَنَّ آيَةَ الدَّيْنِ مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَوْ لِلتَّخْيِيرِ وَقَالَ بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ فَمَنْ جَعَلَ قَوْلَهُ مِنْ غَيْرِكُمْ أي من غير عَشِيرَتِكُمْ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يَسْتَشْهِدَ أَقَارِبَهُ أَوِ الْأَجَانِبَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ قَوْلَهُ مِنْ غَيْرِكُمْ أَيْ مِنَ الْكُفَّارِ فَاخْتَلَفُوا. فَقِيلَ غَيْرِكُمْ يَعْنِي بِهِ أَهْلَ الْكِتَابِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقِيلَ أَهْلُ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ مِنْ غَيْرِكُمْ، وَقِيلَ أَوْ لِلتَّرْتِيبِ إِذَا كَانَ قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِكُمْ يَعْنِي بِهِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ فَالتَّقْدِيرُ إِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْ مِلَّتِكُمْ.

إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ هَذَا الْتِفَاتٌ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى الْخِطَابِ وَلَوْ جَرَى عَلَى لَفْظِ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ لَكَانَ التَّرْكِيبُ إِنْ هُوَ ضَرَبَ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْهُ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا جَاءَ الِالْتِفَاتُ جَمْعًا لِأَنَّ قَوْلَهُ أَحَدَكُمُ مَعْنَاهُ إِذَا حَضَرَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمُ الْمَوْتُ، وَالْمَعْنَى إِذَا سَافَرْتُمْ فِي الْأَرْضِ لِمَصَالِحِكُمْ وَمَعَايِشِكُمْ، وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَقْتَضِي أَنَّ اسْتِشْهَادَ آخَرَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ مَشْرُوطٌ بِالسَّفَرِ فِي الْأَرْضِ وَحُضُورِ عَلَامَاتِ الْمَوْتِ.

تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ الْخِطَابُ لِلْمُؤْمِنِينَ لَا لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْخِطَابُ فِي قَوْلِهِ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ لأن ضَرَبَ فِي الْأَرْضِ وَأَصَابَهُ الْمَوْتُ لَيْسَ هُوَ الْحَابِسَ، تَحْبِسُونَهُما صِفَةٌ لِآخَرَانِ وَاعْتُرِضَ بَيْنَ الْمَوْصُوفِ وَالصِّفَةِ بِقَوْلِهِ إِنْ أَنْتُمْ ... إِلَى الْمَوْتُ وَأَفَادَ الِاعْتِرَاضُ أَنَّ الْعُدُولَ إِلَى آخَرَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْمِلَّةِ أَوِ الْقَرَابَةِ، حَسَبَ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ، إِنَّمَا يَكُونُ مَعَ ضَرُورَةِ السَّفَرِ وَحُلُولِ الْمَوْتِ فِيهِ اسْتَغْنَى عَنْ جَوَابِ إِنْ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ انْتَهَى. وَإِلَى أَنَّ تَحْبِسُونَهُما صِفَةٌ ذَهَبُ الْحُوفِيُّ وَأَبُو الْبَقَاءِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَطِيَّةَ إِذْ لَمْ يَذْكُرْ غَيْرَ قَوْلِ أَبِي عَلِيٍّ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ (فَإِنْ قُلْتَ) : مَا مَوْضِعُ تَحْبِسُونَهُما. (قُلْتُ) : هُوَ اسْتِئْنَافُ كَلَامٍ كَأَنَّهُ قِيلَ بَعْدَ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِيهِمَا فكيف إن ارتبنا فَقِيلَ: تَحْبِسُونَهُما، وَمَا قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ مِنَ الِاسْتِئْنَافِ أَظْهَرُ مِنَ الْوَصْفِ لِطُولِ الْفَصْلِ بِالشَّرْطِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمَوْصُوفِ وَصِفَتِهِ. وَإِنَّمَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ بَعْدَ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِيهِمَا لِأَنَّهُ اخْتَارَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ مَعْنَاهُ أَوْ عَدْلَانِ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِ الْقَرَابَةِ وَتَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ أبي علي أن


(١) سورة البقرة: ٢/ ٢٨٢
(٢) سورة الطلاق: ٦٥/ ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>