للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَشَاءُ اللَّهُ، فَحُذِفَ وَأُقِيمَ مَنْ مَقَامَهُ وَدَلَّ فِعْلُ الْجَوَابِ عَلَى هَذَا الْمَفْعُولِ. فَالْجَوَابُ: أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ أَبَا الْحَسَنِ الْأَخْفَشَ حَكَى عَنِ الْعَرَبِ أَنَّ اسْمَ الشَّرْطِ غَيْرَ الظَّرْفِ وَالْمُضَافَ إِلَى اسْمَ الشَّرْطِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي الْجَوَابِ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى اسْمِ الشَّرْطِ أَوِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ، وَالضَّمِيرُ فِي يُضْلِلْهُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَائِدًا عَلَى إِضْلَالٍ الْمَحْذُوفِ أَوْ عَلَى مَنْ لَا جَائِزٌ أَنْ يَعُودَ عَلَى إِضْلَالٍ فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ «١» إِذِ الْهَاءُ تَعُودُ عَلَى ذِي الْمَحْذُوفَةِ مِنْ قَوْلِهِ: أَوْ كَظُلُمَاتٍ إِذِ التَّقْدِيرُ أَوْ كَذِي ظُلُمَاتٍ لِأَنَّهُ يَصِيرُ التَّقْدِيرُ إِضْلَالَ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ أَيْ يُضْلِلُ الْإِضْلَالَ وَهَذَا لَا يَصِحُّ وَلَا جَائِزٌ أَنْ يَعُودَ عَلَى مَنِ الشَّرْطِيَّةِ لِأَنَّهُ إِذْ ذَاكَ تَخْلُو الْجُمْلَةُ الْجَزَائِيَّةُ مِنْ ضَمِيرٍ يَعُودُ عَلَى الْمُضَافِ إِلَى اسْمِ الشَّرْطِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ.

(فَإِنْ قُلْتَ) : يَكُونُ التَّقْدِيرُ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ بِالْإِضْلَالِ فَيَكُونُ عَلَى هَذَا مَفْعُولًا مُقَدَّمًا لِأَنَّ شَاءَ بِمَعْنَى أَرَادَ وَيُقَالُ أَرَادَهُ اللَّهُ بِكَذَا. قَالَ الشَّاعِرُ:

أرادت عرار بالهوان ومن يرد ... عرار العمرى بِالْهَوَانِ فَقَدْ ظَلَمْ

فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ لَا يُحْفَظُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ تَعْدِيَةُ شَاءَ بِالْبَاءِ لَا يُحْفَظُ شَاءَ اللَّهُ بِكَذَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّيْءِ فِي مَعْنَى الشَّيْءِ أَنْ يُعَدَّى تَعْدِيَتَهُ، بَلْ قَدْ يَخْتَلِفُ تَعْدِيَةُ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ بِاخْتِلَافِ مُتَعَلِّقِهِ أَلَا تَرَى أَنَّكَ تَقُولُ: دَخَلْتُ الدَّارَ وَدَخَلْتُ فِي غِمَارِ النَّاسِ، وَلَا يَجُوزُ دَخَلْتُ غِمَارَ النَّاسِ فَإِذَا كَانَ هَذَا وَارِدًا فِي الْفِعْلِ الْوَاحِدِ فَلَأَنْ يَكُونَ فِي الْفِعْلَيْنِ أَحْرَى، وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَإِعْرَابُ مَنْ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً جُمْلَةُ الشَّرْطِ خَبَرُهُ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ مُتَأَخِّرٍ عَنْهُ يُفَسِّرُهُ فِعْلُ الشَّرْطِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، وَتَكُونَ الْمَسْأَلَةُ مِنْ بَابِ الِاشْتِغَالِ التَّقْدِيرُ مَنْ يُشْقِ اللَّهُ يَشَأْ إِضْلَالَهُ وَمَنْ يُسْعِدْ يَشَأْ هِدَايَتَهُ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْهَادِي وَهُوَ الْمُضِلُّ، وَأَنَّ ذَلِكَ مَعْذُوقٌ بِمَشِيئَتِهِ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَقَدْ تَأَوَّلَتِ الْمُعْتَزِلَةُ هَذِهِ الْآيَةَ كَمَا تَأَوَّلُوا غَيْرَهَا فَقَالُوا: مَعْنَى يُضْلِلْهُ يَخْذُلُهُ وَيَخْبِلُهُ وَضَلَالُهُ لَمْ يَلْطُفْ بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ اللُّطْفِ، وَمَعْنَى يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ يَلْطُفُ بِهِ لِأَنَّ اللُّطْفَ يَجْرِي عَلَيْهِ وَهَذَا عَلَى قَوْلِ الزَّمَخْشَرِيِّ. وَقَالَ غَيْرُهُ: يُضْلِلْهُ عن طريق الجنة ويَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ هُوَ الصِّرَاطُ الَّذِي يَسْلُكُهُ الْمُؤْمِنُونَ إِلَى الْجَنَّةِ، قَالُوا: وَقَدْ


(١) سورة النور: ٢٤/ ٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>