للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ هَذَا تَهْدِيدٌ ثَالِثٌ فَالْأَوَّلُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: الْعَذَابُ وَالسَّاعَةُ، وَالثَّانِي: بِالْأَخْذِ وَالْخَتْمِ، وَالثَّالِثُ:

بِالْعَذَابِ فَقَطْ. قِيلَ: بَغْتَةً فَجْأَةً لَا يَتَقَدَّمُ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وجهرة تَبْدُو لَكُمْ مَخَايِلُهُ ثُمَّ يَنْزِلُ.

وَقَالَ الْحَسَنُ: بَغْتَةً ليلا وجَهْرَةً نَهَارًا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: بَغْتَةً فجأة آمنين وجَهْرَةً وَهُمْ يَنْظُرُونَ، وَلَمَّا كَانَتِ الْبَغْتَةُ تَضَمَّنَتْ مَعْنَى الْخِفْيَةِ صَحَّ مُقَابَلَتُهَا لِلْجَهْرَةِ وَبُدِئَ بِهَا لِأَنَّهَا أَرْدَعُ مِنَ الْجَهْرَةِ، وَالْجُمْلَةُ مِنْ قَوْلِهِ هَلْ يُهْلَكُ مَعْنَاهَا النَّفْيُ أَيْ مَا يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ وَلِذَلِكَ دَخَلَتْ إِلَّا وَهِيَ فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي لِأَرَأَيْتَكُمْ وَالرَّابِطُ مَحْذُوفٌ أَيْ هَلْ يُهْلَكُ بِهِ؟ وَالْأَوَّلُ مِنْ مَفْعُولَيْ أَرَأَيْتَكُمْ مَحْذُوفٌ مِنْ بَابِ الْإِعْمَالِ لِمَا قَرَّرْنَاهُ، وَلَمَّا كَانَ التَّهْدِيدُ شَدِيدًا جَمَعَ فِيهِ بَيْنَ أَدَاتَيِ الْخِطَابِ وَالْخِطَابُ لِكُفَّارِ قُرَيْشٍ وَالْعَرَبِ وَفِي ذِكْرِ الظُّلْمِ تَنْبِيهٌ عَلَى عِلَّةِ الْإِهْلَاكِ وَالْمَعْنَى هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا أَنْتُمْ لِظُلْمِكُمْ؟ وَقَرَأَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ:

هَلْ يُهْلَكُ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ.

وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ أَيْ مُبَشِّرِينَ بِالثَّوَابِ وَمُنْذِرِينَ بِالْعِقَابِ وَانْتَصَبَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ عَلَى الْحَالِ وَفِيهِمَا مَعْنَى الْعِلِّيَّةِ، أَيْ أَرْسَلْنَاهُمْ لِلتَّبْشِيرِ وَالْإِنْذَارِ لَا لِأَنْ تُقْتَرَحَ عَلَيْهِمُ الْآيَاتُ بعد وضوح ما جاؤوا بِهِ وَتَبْيِينِ صِحَّتِهِ.

فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ أَيْ مَنْ صَدَّقَ بِقَلْبِهِ وَأَصْلَحَ فِي عَمَلِهِ.

فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ جَعَلَ الْعَذابُ مَاسًّا كَأَنَّهُ ذُو حَيَاةٍ يَفْعَلُ بِهِمْ مَا شَاءَ مِنَ الْآلَامِ. وَقَرَأَ عَلْقَمَةُ:

نُمِسُّهُمُ الْعَذَابَ بِالنُّونِ مِنْ أَمَسَّ وَأَدْغَمَ الْأَعْمَشُ الْعَذَابَ بِمَا كَأَبِي عَمْرٍو. وَقَرَأَ يَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ وَالْأَعْمَشُ يَفْسُقُونَ بِكَسْرِ السِّينِ.

قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحى إِلَيَّ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَيْ لَا أَدَّعِي مَا يُسْتَبْعَدُ فِي الْعُقُولِ أَنْ يَكُونَ لِبَشَرٍ مِنْ مِلْكِ خَزَائِنِ اللَّهِ وَهِيَ قَسْمُهُ بَيْنَ الْخَلْقِ وَأَرْزَاقُهُ وَعِلْمِ الْغَيْبِ، وَأَنِّي مِنَ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ هُمْ أَشْرَفُ جِنْسٍ خَلَقَهُ اللَّهُ وَأَفْضَلُهُ وَأَقْرَبُهُ مَنْزِلَةً مِنْهُ، أَيْ لَمْ أَدَّعِ الْأُلُوهِيَّةَ وَلَا الْمَلَكِيَّةَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَعْدَ الْإِلَهِيَّةِ مَنْزِلَةٌ أَرْفَعُ مِنْ مَنْزِلَةِ الْمَلَائِكَةِ حَتَّى تَسْتَبْعِدُونَ دَعْوَايَ وَتَسْتَنْكِرُونَهَا، وَإِنَّمَا أَدَّعِي مَا كَانَ مِثْلُهُ لِكَثِيرٍ مِنَ الْبَشَرِ وَهُوَ النُّبُوَّةُ، انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ: مِنْ أَنَّ الْمَعْنَى إِنِّي أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي لست بإله فأنصف بِصِفَاتِهِ مِنْ كَيْنُونَةِ خَزَائِنِهِ عِنْدِي وَعِلْمِ الْغَيْبِ، وَهُوَ قَوْلُ الطَّبَرِيِّ، وَالْأَظْهَرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>