للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّهُ يُرِيدُ أَنَّهُ بَشَرٌ لَا شَيْءَ عِنْدَهُ مِنْ خَزَائِنِ اللَّهِ وَلَا مِنْ قُدْرَتِهِ وَلَا يَعْلَمُ شَيْئًا مِمَّا غَابَ عَنْهُ قَالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ. وَأَمَّا قَوْلُ الزَّمَخْشَرِيِّ فِي الْمَلَائِكَةِ هُمْ أَشْرَفُ جِنْسٍ خَلَقَهُ اللَّهُ وَأَفْضَلُهُ وَأَقْرَبُهُ مَنْزِلَةً فَهُوَ جَارٍ عَلَى مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ مِنْ أَنَّ الْمَلَكَ أَفْضَلُ خَلْقِ اللَّهِ، وَقَدِ اسْتَدَلَّ الْجُبَّائِيُّ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ الْمَلَائِكَةَ أَفْضَلُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَالَ: لِأَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ لَا أَدَّعِي مَنْزِلَةً فَوْقَ مَنْزِلَتِي فَلَوْلَا أَنَّ الْمَلَكَ أَفْضَلُ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ. قَالَ الْقَاضِي: إِنْ كَانَ الْغَرَضُ مِمَّا نَفَى طَرِيقَةَ التَّوَاضُعِ فَالْأَقْرَبُ أَنْ يَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْمَلَكَ أَفْضَلُ وَإِنْ كَانَ نَفْيُ قُدْرَتِهِ عَنْ أَفْعَالٍ لَا يَقْوَى عَلَيْهَا إِلَّا الْمَلَائِكَةُ لَمْ يَدُلَّ عَلَى كَوْنِهِمْ أَفْضَلَ انْتَهَى.

وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ: لَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ

«١» . وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ:

وَتُعْطِي قُوَّةُ اللَّفْظِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الْمَلَكَ أَفْضَلُ مِنَ الْبَشَرِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِلَازِمٍ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَإِنَّمَا الَّذِي يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ الْمَلَكَ أَعْظَمُ مَوْقِعًا فِي أَنْفُسِهِمْ وَأَقْرَبُ إِلَى اللَّهِ وَالتَّفْضِيلُ يُعْطِيهِ الْمَعْنَى عَطَاءً خَفِيًّا وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ آيَاتٍ أُخَرَ وَهِيَ مَسْأَلَةُ خِلَافٍ، وما يُوحى يُرِيدُ بِهِ الْقُرْآنَ وَسَائِرَ مَا يَأْتِي بِهِ الْمَلَكُ أَيْ فِي ذَلِكَ عِبَرٌ وَآيَاتٌ لِمَنْ تَأَمَّلَ وَنَظَرَ انْتَهَى. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: خَزائِنُ اللَّهِ مَقْدُورَاتُهُ مِنْ إِغْنَاءِ الْفَقِيرِ وَإِفْقَارِ الْغَنِيِّ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: الرَّحْمَةُ وَالْعَذَابُ. وَقِيلَ: آيَاتُهُ. وَقِيلَ: مَجْمُوعُ هَذَا لِقَوْلِهِ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ «٢» .

قِيلَ: وَهَذِهِ الثَّلَاثُ جَوَابٌ لِمَا سَأَلَهُ الْمُشْرِكُونَ، فَالْأَوَّلُ جَوَابٌ لِقَوْلِهِمْ: إِنْ كُنْتَ رَسُولًا فَاسْأَلِ اللَّهَ حَتَّى يُوَسِّعَ عَلَيْنَا خَزَائِنَ الدُّنْيَا، وَالثَّانِي: جَوَابٌ لِقَوْلِهِمْ إِنْ كُنْتَ رَسُولًا فَأَخْبِرْنَا بِمَا يَقَعُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مِنَ الْمَصَالِحِ وَالْمَضَارِّ فَنَسْتَعِدَّ لِتَحْصِيلِ تِلْكَ وَدَفْعِ هَذِهِ، وَالثَّالِثُ:

جواب قولهم: مَا لِهَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ؟ انْتَهَى.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ (فَإِنْ قُلْتَ) : أَعْلَمُ الْغَيْبَ مَا مَحَلُّهُ مِنَ الْإِعْرَابِ؟ قُلْتُ: النَّصْبُ عَطْفًا عَلَى مَحَلِّ قَوْلِهِ: خَزائِنُ اللَّهِ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَقُولِ كَأَنَّهُ قَالَ: لَا أَقُولُ لَكُمْ هَذَا الْقَوْلَ وَلَا هَذَا الْقَوْلَ انْتَهَى. وَلَا يَتَعَيَّنُ مَا قَالَهُ، بَلِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى لَا أَقُولُ لَا مَعْمُولٌ لَهُ فَهُوَ أُمِرَ أَنْ يُخْبِرَ عَنْ نَفْسِهِ بِهَذِهِ الْجُمَلِ الثَّلَاثِ فَهِيَ مَعْمُولَةٌ لِلْأَمْرِ الَّذِي هُوَ قُلْ وَغَايَرَ فِي مُتَعَلِّقِ النَّفْيِ فَنَفَى قَوْلَهُ: عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَقَوْلَهُ: إِنِّي مَلَكٌ وَنَفَى عِلْمَ الْغَيْبِ وَلَمْ يَأْتِ التَّرْكِيبُ. وَلَا أَقُولُ: إِنِّي أَعْلَمُ الْغَيْبَ لِأَنَّ كَوْنَهُ لَيْسَ عِنْدَهُ خَزائِنُ اللَّهِ مِنْ أَرْزَاقِ الْعِبَادِ وَقَسْمِهِمْ مَعْلُومٌ ذَلِكَ لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ فَنَفَى ادِّعَاءَهُ ذَلِكَ وَكَوْنَهُ بِصُورَةِ الْبَشَرِ معلوم


(١) سورة النساء: ٤/ ١٦٦.
(٢) سورة الحجر: ١٥/ ٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>