للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهِيَ حِكَايَةُ حَالٍ وَهِيَ مُتَعَدِّيَةٌ إِلَى اثْنَيْنِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا بَصَرِيَّةٌ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ وَأَمَّا مِنْ أُرِيَ الَّتِي بِمَعْنَى عَرَفَ انْتَهَى، وَيَحْتَاجُ كَوْنُ رَأَى بِمَعْنَى عَرَفَ ثُمَّ تَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ إِلَى مَفْعُولَيْنِ إِلَى نَقْلِ ذَلِكَ عَنِ الْعَرَبِ وَالَّذِي نَقَلَ النَّحْوِيُّونَ أَنَّ رَأَى إِذَا كَانَتْ بَصْرِيَّةً تَعَدَّتْ إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ وَإِذَا كَانَتْ بِمَعْنَى عَلِمَ النَّاصِبَةِ لِمَفْعُولَيْنِ تَعَدَّتْ إِلَى مَفْعُولَيْنِ، وَعَلَى كَوْنِهَا بَصْرِيَّةً فَقَالَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ وَابْنُ جُبَيْرٍ ومجاهد: فرجت له السموات وَالْأَرْضُ فَرَأَى بِبَصَرِهِ الْمَلَكُوتَ الْأَعْلَى وَالْمَلَكُوتَ الْأَسْفَلَ وَرَأَى مَقَامَهُ فِي الْجَنَّةِ، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: فَإِنْ صَحَّ هَذَا النَّقْلُ فَفِيهِ تَخْصِيصٌ لِإِبْرَاهِيمَ بِمَا لَمْ يُدْرِكْهُ غَيْرُهُ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ انْتَهَى.

وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كَشَفَ الله له عن السموات وَالْأَرْضِ حَتَّى الْعَرْشِ وَأَسْفَلِ الْأَرَضِينَ وَإِذَا كَانَتْ إِبْصَارًا فَلَيْسَ الْمَعْنَى مُجَرَّدَ الْإِبْصَارِ وَلَكِنْ وَقَعَ لَهُ مَعَهَا مِنْ الِاعْتِبَارِ وَالْعِلْمِ مَا لَمْ يَقَعْ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ زَمَانِهِ الَّذِينَ بُعِثَ إِلَيْهِمْ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ.

وَفِي ذَلِكَ تَخْصِيصٌ لَهُ عَلَى جِهَةِ التَّقْيِيدِ بِأَهْلِ زَمَانِهِ وَكَوْنِهَا مِنْ رُؤْيَةِ الْقَلْبِ، وَجَوَّزَ ابْنُ عَطِيَّةَ وَلَمْ يَذْكُرِ الزَّمَخْشَرِيُّ غَيْرَهُ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: رأى بها ملكوت السموات وَالْأَرْضِ بِفِكْرَتِهِ وَنَظَرِهِ وَذَلِكَ لَا بُدَّ مُتَرَكِّبٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ رُؤْيَتِهِ بِبَصَرِهِ وَإِدْرَاكِهِ فِي الْجُمْلَةِ بِحَوَاسِّهِ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَمِثْلَ ذَلِكَ التَّعْرِيفِ وَالتَّبْصِيرِ نُعَرِّفُ ابراهيم ونبصره ملكوت السموات وَالْأَرْضِ يَعْنِي الرُّبُوبِيَّةَ وَالْإِلَهِيَّةَ ونوقفه لِمَعْرِفَتِهِمَا وَنُرْشِدُهُ بِمَا شَرَحْنَا صَدْرَهُ وَسَدَّدْنَا نَظَرَهُ لِطَرِيقِ الِاسْتِدْلَالِ ونُرِي حِكَايَةُ حَالٍ مَاضِيَةٍ انْتَهَى، وَالْإِشَارَةُ بِذَلِكَ إِلَى الْهِدَايَةِ أَوْ وَمِثْلَ هِدَايَتِهِ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ تَعَالَى وَدُعَاءِ أَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَفْضِ الْأَصْنَامِ أَشْهَدْنَاهُ مَلَكُوتَ السموات وَالْأَرْضِ.

وَحَكَى الَمَهْدَوِيُّ أَنَّ الْمَعْنَى وَكَمَا هَدَيْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ أَرَيْنَا إِبْرَاهِيمَ وَهَذَا بَعِيدٌ مِنْ دَلَالَةِ اللَّفْظِ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْكَافُ لِلتَّعْلِيلِ أَيْ وَكَذَلِكَ الْإِنْكَارُ وَالدُّعَاءُ إِلَى اللَّهِ زَمَانَ ادِّعَاءِ غَيْرِ اللَّهِ الرُّبُوبِيَّةَ أشهدناه ملكوت السموات وَالْأَرْضِ فَصَارَ لَهُ بِذَلِكَ اخْتِصَاصٌ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: جَلَائِلَ الْأُمُورِ سِرَّهَا وَعَلَانِيَتَهَا، فَلَمْ يُخْفَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَعْمَالِ الْخَلَائِقِ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ جَعَلَ يَلْعَنُ أَصْحَابَ الذُّنُوبِ قَالَ اللَّهُ: إِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ هَذَا فَرَدَّهُ لَا يَرَى أَعْمَالَهُمْ انْتَهَى، قَالَ الزَّجَّاجُ وَغَيْرُهُ: الْمَلَكُوتُ الْمُلْكُ كَالرَّغَبُوتِ وَالرَّهَبُوتِ وَالْجَبَرُوتِ وَهُوَ بِنَاءُ مُبَالِغَةٍ وَمِنْ كَلَامِهِمْ: لَهُ مَلَكُوتُ الْيَمَنِ وَالْعِرَاقِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: ويعني به آيات السموات وَالْأَرْضِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: مَلَكُوتُ السموات: الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَمَلَكُوتُ الْأَرْضِ: الْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالْبِحَارُ، وَقِيلَ: عِبَادَةُ الْمَلَائِكَةِ وَعِصْيَانُ آدَمَ، وَقَرَأَ أَبُو السَّمَالِ: مَلْكُوتَ بِسُكُونِ اللَّامِ وَهِيَ لُغَةٌ بِمَعْنَى الْمُلْكِ، وَقَرَأَ عِكْرِمَةُ مَلَكُوثَ بِالثَّاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>