الْمُثَلَّثَةِ وَقَالَ: مَلَكُوثًا بِالْيُونَانِيَّةِ أَوِ الْقِبْطِيَّةِ، وَقَالَ النَّخَعِيُّ: هِيَ مَلَكُوثًا بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَقُرِئَ وَكَذَلِكَ تَرَى، بِالتَّاءِ مِنْ فَوْقُ، إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ، بِرَفْعِ التَّاءِ، أَيْ تَبَصِّرُهُ دَلَائِلَ الرُّبُوبِيَّةِ.
وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ أَيْ أَرَيْنَاهُ الْمَلَكُوتَ، وَقِيلَ: ثَمَّ عِلَّةٌ مَحْذُوفَةٌ عُطِفَتْ هَذِهِ عَلَيْهَا وَقُدِّرَتْ لِيُقِيمَ الْحُجَّةَ عَلَى قَوْمِهِ، وَقَالَ قَوْمٌ: لِيَسْتَدِلَّ بِهَا عَلَى الصَّانِعِ، وَقِيلَ: الْوَاوُ زَائِدَةٌ وَمُتَعَلَّقُ الْمُوقِنِينَ قِيلَ: بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ، وَقِيلَ: بِنُبُوَّتِهِ وَبِرِسَالَتِهِ. وَقِيلَ: عِيَانًا كَمَا أَيْقَنَ بَيَانًا انْتَقَلَ مِنْ عِلْمِ الْيَقِينِ إِلَى عَيْنِ الْيَقِينِ كَمَا سَأَلَ فِي قَوْلِهِ: أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى «١» والإيقان تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ أَوَّلَ الْبَقَرَةِ، وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ: الْيَقِينُ عِبَارَةٌ عَنْ عِلْمٍ يَحْصُلُ بَعْدَ زَوَالِ الشُّبْهَةِ بِسَبَبِ التَّأَمُّلِ وَلِهَذَا لَا يُوصَفُ عِلْمُ اللَّهِ بِكَوْنِهِ يَقِينًا لِأَنَّ عِلْمَهُ غَيْرُ مَسْبُوقٍ بِالشُّبْهَةِ وَغَيْرُ مُسْتَفَادٍ مِنَ الْفِكْرِ وَالتَّأَمُّلِ، وَإِذَا كَثُرَتِ الدَّلَائِلُ وَتَوَافَقَتْ وَتَطَابَقَتْ صَارَتْ سَبَبًا لِحُصُولِ الْيَقِينِ إِذْ يَحْصُلُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا نَوْعُ تَأْثِيرٍ وَقُوَّةٍ فَتَتَزَايَدُ حَتَّى يَجْزِمَ.
فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هَذَا رَبِّي.
هَذِهِ الْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ وَكَذلِكَ نُرِي اعْتِرَاضًا وَهُوَ قَوْلُ الزَّمَخْشَرِيُّ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: الْفَاءَ فِي قَوْلِهِ فَلَمَّا رَابِطَةٌ جُمْلَةَ مَا بَعْدَهَا بِمَا قَبْلَهَا وَهِيَ تُرَجِّحُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَلَكُوتِ هُوَ هَذَا التَّفْصِيلُ الَّذِي فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: كَانَ أَبُوهُ وَقَوْمُهُ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْكَوَاكِبَ فَأَرَادَ أَنْ يُنَبِّهَهُمْ عَلَى الْخَطَأِ فِي دِينِهِمْ وَأَنْ يُرْشِدَهُمْ إِلَى طَرِيقِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ، وَيُعَرِّفَهُمْ أَنَّ النَّظَرَ الصَّحِيحَ مُؤَدٍّ إِلَى أَنَّ شَيْئًا مِنْهَا لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ إِلَهًا لِقِيَامِ دَلِيلِ الْحُدُوثِ فِيهَا وَأَنَّ وَرَاءَهَا مُحْدِثًا أَحْدَثَهَا وَصَانِعًا صَنَعَهَا وَمُدَبِّرًا دَبَّرَ طُلُوعَهَا وَأُفُولَهَا وَانْتِقَالَهَا وَمَسِيرَهَا وَسَائِرَ أَحْوَالِهَا وَالْكَوْكَبُ الزُّهْرَةُ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ، أَوِ الْمُشْتَرِي، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ وَهُوَ رُبَاعِيٌّ وَالْوَاوُ فِيهِ أَصْلٌ وَتَكَرَّرَتْ فِيهِ الْفَاءُ فَوَزْنُهُ فَعْفَلٌ نَحْوَ قَوْقَلٍ وَهُوَ تَرْكِيبٌ قَلِيلٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ جَوَابَ لَمَّا رَأى كَوْكَباً وَعَلَى هَذَا جَوَّزُوا فِي قالَ هَذَا رَبِّي أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِلْكَوْكَبِ وَهُوَ مُشْكِلٌ أَوْ مُسْتَأْنَفًا وَهُوَ الظَّاهِرُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ قالَ هذا رَبِّي ورَأى كَوْكَباً حَالٌ أَيْ جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَائِيًا كَوْكَبًا وهذا رَبِّي الظَّاهِرُ أَنَّهَا جُمْلَةٌ خَبَرِيَّةٌ، وَقِيلَ هِيَ اسْتِفْهَامِيَّةٌ عَلَى جِهَةِ الْإِنْكَارِ حُذِفَ مِنْهَا الْهَمْزَةُ كَقَوْلِهِ:
بِسَبْعٍ رَمَيْنَ الْجَمْرَ أَمْ بِثَمَانٍ
(١) سورة البقرة: ٢/ ٢٦٠.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute